السبت، 30 أبريل 2016

اَه يا حلب !! – محمد الفاضل

اَه يا شهباء ! تحتر ق كل الصور والأحلام ، وتموت الطفولة وتباد مدينة الحرير ، وتجار الموت يتأنقون ببدلات السموكن يجتمعون ويثرثرون ، يعربون عن قلقهم وفي المساء ينامون ملء جفونهم ، جنرالات الحرب يشربون أنخاب النصر فوق الأشلاء الاَدمية ويعلقون أوسمة الخزي والعار . من للطفولة يا حلب ؟ من يرقأ دمعك ياحلب ؟ هل ماتت النخوة يا عرب ؟ غربان الشر تسقط حمم الحقد فوق ثراك الطاهر ، لمعتوه للحكم قد سلب والحرق قد طلب ، قالوا هو أو نحرق البلد !!! تبت أياديكم ، هذه حلب ... هذه حلب
Read more ...

الأحد، 24 أبريل 2016

يوم رحلت – محمد الفاضل

- استيقظ ... استيقظ ، يا أخي ، لا تخف ، ولكن لا أدري ما الذي اعترى أبي .... كنت مستغرقاً في عالم الأموات وأنا أسمع صوت أختي المرتجف ، المشوب بالخوف ، وكأنه صادر من بئر عميق ، يخترق سمعي ، قفزت من فراشي كالملدوغ وكأنني في حلم ، كانت أختي تقف والقلق ينهش فكرها ، ترتجف مثل ورقة شجر في مهب الريح. برغم محاولتها الفاشلة إخفاء جزعها ، محاولة طمأنتي ، ولكن عيونها فضحتها. طرت مسرعاً إلى غرفة نوم أبي ، كانت والدتي تقف متسمرة بجانب سريره وقد عقدت الدهشة لسانها ، والدموع تنهمر فوق وجنتيها ، والهلع يكسو ملامحها، من عادة والدي النوم بعد الظهيرة ، ثم يصحو على صوت المنبه ، ولكنه يومها لم يقوى على إسكاته ، وظل يرن إلى أن تنبهت والدتي . كانت عيون والدي تنظر إلى أعلى سقف الغرفة والزبد يخرج من فمه . في تلك الأثناء استيقظ أخي على صوت الجلبة ، وهرع مسرعاً وبدأ يتفحص والدي بحكم عمله كطبيب، كانت أقدامي بالكاد تحملني ، حاولت جاهداً أن أرفع والدي من جهة قدميه ، وأخي من جهة أكتافه ، ولكنه بدا ثقيلاً على غير عادته في ذلك اليوم. عاد بي شريط الذاكرة إلى الوراء قليلاً ، يوم كنا أطفالاً نلهو ونعب من الحياة ولانعبأ بشئ ، كان يحملنا بذراعيه القوية المفتولة ، ويغمرنا بحنانه المتدفق مثل جدول رقراق ينساب داخل أرواحنا الصغيرة فيرويها ، سقى الله تلك الأيام ، ما أجملها ، ليتنا لم نكبر ، فتكبر همومنا ، لم نكن ندرك سر الكون ، وأن الأيام لا ترسو على حال. كانت والدتي تردد دائماً مقولتها الشهيرة " الله يجيرنا من ساعة الغفلة " وكنت أتوجس خيفة من المجهول ، وما يخبئه القدر انطلقنا بالسيارة إلى المستشفى ، لا نلوي على شئ ، أدخل والدي على عجل إلى غرفة العناية المركزة ، مرت عقارب الساعة بتثاقل وكأنها سنوات ضوئية . - ما الذي أصاب والدي ؟ أجبني بصراحة - جلطة دماغية ، أجاب أخي ، وبدأ يشرح لي الحالة من واقع خبرته ـ يومها قررت المبيت في المستشفى ، ورجع أخي إلى البيت ليطمئن والدتي وبقية أخوتي عاى أمل العودة في الصباح الباكر، بدأت الأفكار السوداوية تحاصرني ومجرد فكرة فقد والدي تزلزل كياني . جافاني النوم ولم يعرف طريقه إلى جفوني ليلتها من شدة القلق. تسللت خيوط الشمس الأولى عبر نافذة الغرفة ، وبدأت تنشر أشعتها الذهبية فوق المدينة ، بعد مرور بعض الوقت ، دخل الممرض وهويدفع والدي ، كان يجلس فوق كرسي متحرك ، ارتميت عند أرجله وأنا أحاول أن أحبس دموعي ، كانت نظراته تخترق روحي وتنوب عن لسانه . كان ينظر إلي بحنان ، ولكنه فقد النطق ، حتى أن الشلل زحف إلى وجهه ، راسماً فوق ملامحه صورة تقطع نياط القلب . الفترة التي أمضيتها مع والدي في المستشفى ، شكلت علامة فارقة في مجرى حياتي ، خلفت جروحاً غائرة في حنايا القلب ، أن ترى الجبل الشامخ الذي كنت تستند عليه ، والفارس الذي يرتدي درعه اللامع ،يحارب الوحوش ويذب عنك عوائل الدهر، القادم من حكايات الزمن الجميل ، في حالة ضعف وانكسار إنساني ، يفوق الاحتمال ويجعلك تعيد حساباتك ، يدعوك للزهد في كل شئ . بعد أن كان صوته يجلجل ويملأ المكان ، وضحكته الساحرة تضفي البهجة على الجميع ، لم يألوا جهدا في تربيتنا وسخر كل طاقاته في سبيل إسعاد عائلته ، كان يجد سعادة بالغة في العطاء ولم يشتك قط برغم تحمله أعباء الحياة وصروفها ، كان يمتلك قلبا من ذهب ، ينبض بالحنان والطيبة اللا متناهية ، كالبدر في ليلة ظلماء . فجأة لزم الصمت ، لقد ترجل الفارس وكبا ، سكون قاتل يلف المكان ، لا يكسره سوى زفراته الحارة التي تحرق القلب ومحاولته النطق بكلمات مبهمة وكأنه طفل يتعلم النطق للتو ، كنت أحاول تجنب النظر في عينيه الحزينة مخافة أن يرى سمة الحزن على وجهي ، برغم شوقي العارم أن أضمه إلى صدري وأطلق العنان لمشاعري الحبيسة أن تنفلت من عقالها . كم هو صعب على الإنسان أن يضع قناع على وجهه محاولاً إخفاء مشاعره والتظاهر بأن الأمور على مايرام. كانت تنتابني رغبة عارمة بالسجود عند قدميه وتقبيلهما ولكنني أحجمت عن ذلك مخافة أن ينهار أمامي ، بدأت رحلة المعاناة اليومية تطل برأسها ، الوضع يتطلب عناية خاصة ، عندما يهم بالوضوء كنت أدخل معه الحمام كي أساعده خوفاً من أن يسقط . لم أتذمر قط ، وفي المساء أجلس ملتصقاً بسريره وأقرأ له ماتيسر من القرأن بصوت مرتفع حتى يبزغ الفجر ، وكنت أستشعر دموعه الحبيسة تأبى أن تنساب ، بل تسيل وتصب مباشرة عند شواطئ الروح دون أن أراها. عندما كنت أقبض على يده اليمنى لعمل تمارين علاج طبيعي وبشكل يومي حسب أوامر الطبيب ، كانت يدي ترتجف وأحس بشلال حنان يتدفق من يده الطاهر ة لتمدني بالعزيمة . لطالما حملنا بيده تلك ومسح على جبيننا وقرأ الأدعية عندما كنا صغاراً ، أبي الحبيب ، يا قرة عيني ومهجة روحي ، مهما فعلت فلن أوفيك حقك ، لقد أفنيت عمرك وأنت تكافح في هذه الحياة ، كنت تكد في القر والحر غير عابئ بحرارة الشمس الحارقة ، بهمة تزلزل الجبال ، ليس كمثلك شئ يا أبي . كالشمس تضئ حياة الاَخرين وتمدهم بالدفء . ( يتبع ) السويد – 10 / 05 / 2016
Read more ...

السبت، 16 أبريل 2016

يوم زارنا الرئيس – محمد الفاضل

- أتمنى أن أقابل الرئيس ، كان يحدث نفسه بهذه الأمنية ، اسم الرئيس له وقع غريب في نفوس أهالي القرية ، فالجميع يسبح بحمده وينام على سيرته وبطولاته الأسطورية . صور وتماثيل سيادته في كل زاوية في القرية ، كيف لا وهو القائد المفدى صاحب الانتصارات الدونكيشوتية ! قرية وادعة تغفو في أحضان الطبيعة الخضراء ، أشجار سامقة ، مورقة تتمايل مع نسمات الهواء العليل ، وترقص فرحاً ، أشعة الشمس الذهبية تغازل شفاه الأزهار ، فتتفتح باسمة . جدول رقراق ، يتهادى بدلال ويغسل جذوع الأشجار الباسقة التي تعانق السماء ، وتهمس لها بسر جمالها وعشقها لخيوط أشعة الشمس ، التي تدغدغ وريقاتها. انسل إلى الغرفة وحاول أن يأوي إلى الفراش ، ولكن بدأت تتقاذفه الأفكار ، حب الوطن يتغلغل في شرايينه . - ماذا سوف أقول لسيادته ؟ وكيف يبدو ، ياترى ؟ - هل سيستمع إلى احتياجات الأهالي ؟ غداً اليوم الموعود ...في ذلك الصباح ، كانت الأعين تترقب ، ونبضات القلوب تتسارع ، سعادة الجميع بحجم الوطن .... ترقب مشوب بالقلق . - ربما سأكون أوفرهم حظاً ، وأصافح يده كان كمن ينتظر حلم حياته . حتى أطفال القرية خرجوا يتقافزون فرحاً بقدوم سيادته ، وهم يرتدون حلة العيد ، نحرت القرابين من الأغنام السمان ، وتعالت زغاريد النسوة . كان البعض ينوء بحمل صور القائد ، والبعض الاَخر يحمل لافتات الترحيب ، التي خطت بعناية . بدأت الأعناق تشرئب ، والجموع تصدح بهتافات قد حفظوها عن ظهر قلب ، - بالروح بالدم نفديك يا زعيم .. – بالروح بالدم نفديك يا زعيم موكب مهيب ، سيارات مصفحة فارهة ، تسابق الريح ، رجال مدججون بالسلاح حتى الأسنان ، أخيراً ، تنازل سيادته وفتح زجاج نافذة السيارة ، وبدأ يلوح للجموع المحتشدة ، وكأنه قيصر روما في يوم تتويجه ! انفرجت أسارير مهند عن ابتسامة عريضة وهو يشاهد حلمه على وشك أن يتحقق ، بدأ يسابق الريح ، في محاولة مضنية للوصول إلى الرئيس . - هل سيتحقق حلمه ، ويصافح يد القائد ، سوف يصبح حديث القرية ! فجأة سمع صوت رصاص ، شق عنان السماء . الخبر الأول في صفحات الجرائد الحكومية في اليوم التالي كان ، " إحباط محاولة اغتيال لسيادته ، العناية الإلهية تتدخل ، الكشف عن خلية لها ارتباطات خارجية ، حفظ الله الرئيس ، يسقط العملاء ! " السويد – 16 / 4 / 2016
Read more ...

السبت، 9 أبريل 2016

المنزل المهجور – محمد الفاضل

كثرت الشائعات التي كانت تدور حول ذلك المنزل المهجور وتعددت الحكايات التي نسجت عن وحشة ورهبة ذلك المكان والأشباح التي تسرح فيه ، في تلك القرية البعيدة ينتصب منزل فوق سفح جبلي شاهق ، يشرف على وادي سحيق ، وعندما يخلع المساء رداءه الأسود وينشره فوق بيوت تلك القرية الخارجة من حكايات الجن .يسود المكان سكون مطبق ويداعب الكرى جفون أهالي القرية ، كل شئ يتحول إلى مايشبه المقبرة ، حتى أن الأهالي كانوا يمنعون أولادهم من اللعب عندما يحل المساء ، فيسارعون إلى منازلهم خشية من الأرواح التي تسكن ذلك المنزل المهجور. - لماذ تأخرت في العودة ؟ ألا تعلم أن قلبي يذوب فرطاً عليك ؟ وبدأ صوتها يتهدج ويرتفع شيئاً فشيئاً ، حتى دخلت في نوبة بكاء . - أنت لاتعرف كم أعاني ؟ منذ أن تركنا والدك وأنا أفعل ما بوسعي بغية إسعادك ، ولكنك لا تبالي . منذ أن أخبرها الطبيب بأنه ضعيف البنية ، وهي تبالغ في الحرص عليه . - لماذا تصرخ بوجهي دائماً ؟ لماذا تغيرت ملامحها حتى بدت كعجوز ، ولم تعد تهتم بزينتها ؟ بينما كانت تعنفه ، كان يلجأ إلى السكوت ويشغل تفكيره ذلك المنزل المهجور .في ذلك المساء الحالك السواد ، كان القمر يتوارى خلف الغيوم . تجمع أولاد القرية وبدأوا يتهامسون فيما بينهم ، اقترب منهم في محاولة لفهم مايدور . - ولكنك ضعيف البنية ولن تجرؤ . أثار الحديث حفيظته وأيقظ في نفسه روح التحدي والمغامرة. - أنا لا أخاف ، وسوف أقبل التحدي. - سوف تأخذ هذا الكيس وتضعه داخل المنزل المهجور بعد منتصف الليل . بدا ظل المنزل مخيفاً وهو يرقد فوق ذلك السفح الجبلي المقفر ، كان يرتجف مثل سعفة نخيل في يوم ريح عاصف. عندما وصل إلى المنزل كان قلبه يدق بإيقاع متسارع حتى خيل إليه أنه سوف ينفجر من الخوف. فجأة سمع صوتاً عميقاً وكأنه خارج من كهف ، ارتعدت فرائصه وكاد أن ينخلع قلبه . في تلك الأثناء كانت الأم تجثو عند فراشه . - انهض ياولدي ، لدينا اليوم أعباء كثيرة وعمل شاق ، لقد استغرقت كثيراً في النوم على غير عادتك.
Read more ...

الأحد، 3 أبريل 2016

الدرويش – محمد الفاضل

اعتاد أن يقضي سحابة نهاره جالساً عند مدخل حارة الزيتون في منطقة تقاطع باب توما ، حيث تشتهر بشوارعها القديمة و زواريبها العتيقة التي تروي اَلاف الحكايات ، البيوت متلاصقة ، تحنو على بعضها و تتكئ الجدران على بعضها البعض في مشهد يوحي بالحميمية والمحبة ، وفي النهار تتسلل أشعة الشمس الذهبية عبر شبابيكها الملونة فتنعكس لوحة تأسر القلوب . معظم بيوت الحارة تتوسطها بحرة ، يحيط بها زهر الياسمين والفل ، وشجر الليمون والنارنج . رائحة العطر في كل مكان ، حتى البيوت ، تتشرب العطر طوال النهار فتبقى الرائحة تفوح طوال المساء ، الأسواق تعج بالمارة وبائعي الخضار ، لم يأبه بوجوده أحد من المارة . متوسط القامة ، في نهاية عقده السادس ، عينان غائرتان ، تتطلعان إلى الأفق البعيد . ذو لحية بيضاء ، كثة وشعر ملبد بالأوساخ ، رث الثياب . يتفحص المارة وتتقاذفه نظرات الشفقة والعطف . كان الأهالي يتصدقون عليه ببضعة قروش ، وفي اَخر النهار يلملم جراحه ويمسح دموعه التي ترقرقت في عينيه وينصرف. في ذلك اليوم القائظ قررت أن أمشي خلف ذلك العجوز الذي كنا نسميه الدرويش ، لكي أعرف وجهته ، بعد أن بلغ مني الفضول مبلغه . أدخلت صناديق الخضار في عجالة وأقفلت الدكان. كان الدرويش ينقل قدميه ببطء على الطريق ، اجتاز زقاق الحي , في اَخره يقبع منزل جميل . طرق الباب بإلحاح ، وبعد برهة قصيرة ، فتح الباب شاب في عقده الثالث . استوقفني المشهد . فجأة أمسك الدرويش بتلابيب الشاب وبدأ يعنفه. قررت أن أقترب أكثر لأسمع مايدور . - ولكن هذا بيتي ، هل نسيت ؟ حتى إن الجدران والحجارة تشهد ، لقد أفنيت عمري في بنائه . استشاط الشاب غضبا ودفع الدرويش بقسوة فسقط على الأرض. تحامل على نفسه ونهض بصعوبة بالغة ، وأجهش في البكاء حتى تخضبت لحيته . رفع يديه إلى السماء ، وبدأ يدعو بصوت خاشع منكسر. بعد مرور بضعة أيام ، تناهى إلى سمع الدرويش أن الشاب مريض ، وهو يرقد بين الحياة والموت . بدأ يحث الخطى نحو منزل الشاب وقلبه يخفق بشدة ، كان الشاب يرقد على السرير وقد شحب لونه ، بعد أن نهش جسمه المرض . دلف الدرويش إلى المنزل وجثا على ركبتيه وبدأ يردد - و لكنه ولدي ! يارب تلطف به ولا تستجب لدعائي . السويد – 3 / 4 / 2016
Read more ...