الأحد، 20 نوفمبر 2016

كُتَّاب بطعم أحمر الشفاه ونعومة الشيفون – محمد الفاضل



عندما يعمد الطبيب الجراح إلى اجراء عملية جراحية خطيرة ، قد تكتنفها مضاعفات لاتحمد عقباها ، فأنه لايجد مندوحة من اللجوء إلى تخدير المريض ، بغية النخفيف من آلامه المبرحة والمحافظة على حياته ، ومن المعروف أن المريض عندما يستفيق من البنج ، يبدأ بالثرثرة بكلام مبهم وقد يفرغ مابجعبته من أسرار بدون وعي .

وقبل أن أضع القفازات المعقمة والكمامة ، واستخدم مبضع الجراح ، أود التنويه بأني سوف أقوم بإجراء العميلة بدون تخدير ، مع حرصي على استخدام المضاد الحيوي وتعقيم جميع الأدوات لتجنب تلوث الجرح والإلتهابات لأن مايهمني هو المحافظة على حياة الكاتب !! عفوأ أقصد المريض ، وقد ألجأ إلى الصدمة الكهربائية لتنشيط القلب الحنون ، المولع بأحمر الشفاه وملابس الشيفون الصارخة بالأنوثة !!
وقبل أن أسترسل بالكتابة ، أود أن أعترف بأني لست ضد أحمر الشفاه ، ولعلي لاأحمل ضغينة ضد الشيفون ، كي لاأتهم بالتطرف والإرهاب وخنق الحريات ، وقائمة الإتهامات تطول .

عزيزي الكاتب الغارق في الرومانسية حتى أذنيه !!! من حقك أن تكتب عن جمال المرأة ، وسحرها الطاغ وتطنب في وصفها ، بل وعطرها الذي يذهب بالعقول ، وتتغزل بجمال العيون وتنشر الصور المثيرة ، ولكن هل بتنا نعيش في فقاعة ،أم أن مايجري من إبادة للجنس البشري يحصل في كوكب آخر ؟
هل بتنا نعيش في حالة انفصام ولانرتبط بالواقع الكارثي والذي نعيش فصوله كل يوم ؟ ألا يتسحق هؤلاء الأطفال الأبرياء أن نجرد أقلامنا لرثائهم والترحم على أرواحهم، وتسليط القليل من الضوء على معاناة شعب يذبح بسكين مسمومة ؟مافائدة تلك الأقلام إذا كان أصحابها منفصلون عن واقعهم ويعيشون قصص رومانسية بطعم أحمر الشفاه ونعومة الشيفون !!
هل هؤلاء مجرد أرقام يعلن عنها في وسائل الإعلام دون أن يرف لنا جفن ؟ ألا يستحقون القليل من وقتك الثمين ، أم أنهم لا بواك لهم ، هل عز علينا أن نرثيهم ولو بكلمة عزاء ؟ وهل سادت ثقافة الشيفون والساتان كي ندفع عن أنفسنا تهمة الإرهاب؟







Read more ...

الخميس، 29 سبتمبر 2016

لعبة الغميضة – محمد الفاضل




تكوم جسده المتهالك فوق القبر محاولا ضمه إلى صدره بكلتا يديه وهو يردد بصوت حنون عذب يفتت الصخر .

- طلع يا متخبي .... طلع ...

بدأ يحثو التراب على رأسه بعد أن خالطت الدموع لحيته المعفرة بالغبار ، عينان زائغتان تحملقان في الأفق البعيد ، جسد براه السقم وأنفاس تصدر من روح مكبلة بالأحزان ، مثخنة بالجراح ، يتمتم بعبارات مبهمة وهو ينتحب وكأن أحزان الكون قد تجمعت فوق رأسه .
قبور متراصة ، تمتد بعيدا وقد نبتت شقائق النعمان وبعض الحشائش على جوانبها ، توزع بعض رواد المقبرة على مقربة منه ، بعضهم يضع الزهور ، والبعض الآخر يرتل القرأن ، نساء متشحات بالسواد وقد تعالى عويلهم ، الحزن يلف المكان .

لم يدر كم مضى على وجوده وهو مستغرق في النوم ، أستجمع ما تبقى له من عزم ومضى يجر أرجله بتثاقل ، حتى شارف على أطلال منزل مهدم بعد أن سوي بالأرض ، في صباح ذلك اليوم الربيعي ، قرر أحمد أن يقضي بعض الوقت مع ولده الوحيد ، يلاعبه بحنان كي يعوضه عن التقصير في الأونة الأخيرة .

جلست الزوجة ترقب المشهد ، وقد ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة ، مر زمن لم يدخل الفرح قلوبهم ، أصبح الترقب والقلق ضيفا ثقيلا وشبح الموت يجثم فوق القرية الوادعة ، يرفض أن يغادرها ،

- يلا نلعب لعبة الغميضة ، بابا . من زمان مالعبناها . بدأ وليد يستعطف والده .

- على عيني ، يا بابا . أنا راح غمض وأنت حاول تتخبى .

بدأ الولد يجري مسرعا وقلبه يكاد يقفز من الفرح ، يبحث عن مكان يختبئ فيه ، أغمض الأب عينيه وبدأ يعد ، واحد ... أثنان ... ثلاثة ... ها .. خلص ولا لسه ؟
نهض أحمد وبدأ ينادي بأعلى صوته ،

- طلع يا متخبي ... طلع ... أنا جيت ... وينك ؟
بدأ يبحث عن وليد في أرجاء المنزل ، قادته قدماه إلى المنزل المجاور الذي قصفته الطائرات في الأونة الأخيرة وقد كان وليد خلف أحد الأعمدة المتبقيىة ، اقترب منه محاولا الإمساك به ، ولكنه لم يبد حراكا ، رصاصة قناص أخترقت قلبه الصغير وخرجت من ظهره ، تاركة بقعة حمراء .

السويد – 29 / 9 / 2016



Read more ...

الأحد، 18 سبتمبر 2016

آخر فرسان الزمن الجميل – محمد الفاضل



إلى من سكن سويداء قلبي ومازجت أنفاسه العطرة ثنايا فؤادي وسكب خلاصة محبته ودفء مشاعره في ضفاف الروح ، إلى من ترك غصة في النفس مابرحت تشعل نارا مستعرة في حنايا صدري ، تهيج القلب بذكرى عبقة ، تفجر براكينا من الشجن. إلى من تفيأت ظله ليقيني حرالشمس ، وتوسد رأسي المتعب فيض وحنان ساعده المفتول ، إلى آخر فرسان الزمن الجميل وجرحي النازف الذي لم يبرأ ، أبي الذي لايعدله شئ في هذا الكون ، كم هو مؤلم أن أفتقد وقع خطواتك الجميلة وعبق أنفاسك التي علقت في زوايا ذاكرتي الحزينة ، أي أرض احتضنت رفاتك الطاهر وأنا في غربتي ، خلف الشطآن الغريبة ، أتقلب على جمر الحنين ، أصبر الروح ، أعللها بلقاء قريب ، وحضن دافئ .

لم يمهلك القدر ، غادرتني وأنا بأمس الحاجة إلى صدرك الحاني وإطلالتك المشرقة ونصائحك السديدة ، تمنيت أن نرسم الطريق سوية وأنا أتعلق بيدك التي تفيض بالطهر ، بت أفتقد أحاديثك الشيقة وطيبتك المتدفقة مثل شلال عذب ، سامحني ياحبة القلب ! لم أستطع أن أحمل نعشك على كاهلي وألقي عليك نظر وداع أخيرة لتهمد روحي ، هل حقا أهالوا التراب على وجهك الوضاء ، أواه ! واحر قلباه ! عشت غريبا ودفنت في أرض غريبة ، وأنت تحلم بالعودة إلى الوطن ! وتحمل فوق كاهلك همومنا

أترانا نرجع يا أبي ، نندس بين أحضان الأحبة ونشم عطرهم ؟ يا خوفي من غد ! ماذا تخبئ لنا الأقدار ؟ يارب ، قد طال البعاد ونأت بيننا المسافات وجثت الروح تئن بصمت ، تجتر وتشم عطر الذكريات . متى نحط عصا الترحال ؟
لكم وددت أن تحمل أحفادك بين ذراعيك ، تقص عليهم حكايات الزمن الجميل وهم يتقافزون حولك في حبور ، فتخبرني أن دعهم يا ولدي ، فلا أزكى من رائحتهم وأجمل من شقاوتهم . مازالت دموعك الحارة وآخر وداع بيننا ، يوم رحلت ، تعيش في بقايا ذاكرتي التي تشبه الحلم .

السويد – 2016 / 09 / 18
Read more ...

الاثنين، 22 أغسطس 2016

محمد الفاضل، رحلة الشمال



كل الشكر والتقدير للدكتور الأديب جمال الجزيري على نشر كتابي الإلكتروني بعنوان رحلة الشمال ويحوي مجموعة قصص قصيرة لي . أسعدني صدور كتابي الإلكتروني الأول .....



محمد الفاضل، رحلة الشمال، قصص قصيرة، ط1، أغسطس 2016.pdf
MediaFire is a simple to use free service that lets you put all your photos, documents, music, and video in a single place so you can access them…
MEDIAFIRE.COM
Read more ...

الاثنين، 8 أغسطس 2016

ألبوم صور – محمد الفاضل




توكأت على عصاها وهي ترتجف بعيد أن احدودب ظهرها وابيض شعر رأسها ووهن عظمها ، ولم يعد جسمها يقوى على تحمل أعباء الحياة وصروفها القاسية ، ذبل ذلك الوجه النضر والمشوب بالحمرة وحل محله وجه متعب بعد أن غزته التجاعيد وتركت بصماتها جلية ، تحشرجت الكلمات في حلقها وهي تبتلع الغصات وعيونها تفيض بالدمع السخي ،

تخاطب فلذة كبدها بصوت رخيم ، يذوب له الفؤاد شوقا ، تتفرس في وجهه وتتأمله بحنو بالغ ، أي بني ! يمين الله لا تتركني نهبا للهواجس والمخاوف ، رفقا بي ، ياسلوى الروح ، إلى من تكلني ؟ هل هانت عليك آلام المخاض ، وسهر الليالي والحضن الدافئ ، هل ضاق بك الوطن ياحبة القلب وبؤبؤ العين حتى بت تركب البحر وتفتش بين الخرائط عن وطن خلف البحور البعيدة ؟ أخشى عليك من الغرق في خضم تلاطم الأمواج ..

بدأت أوراق خريف عمري تتساقط ، مضى من العمر جله فهل من لقاء ؟ أتصفح ألبوم صورك بعيون دامعة ، زائغة وأصابع مرتجفة ، أترقب عودتك كل مساء ، أشعل شمعة أمل عند نافذتك ، أذرع غرفتك جيئة وذهابا كل يوم ، أحتضن وسادتك بين أضلعي ، مازال عطرك يعبق بها ، هنا حبوت أول مرة ، وهناك نطقت كلمة ، ماما ، فمادت بي الأرض ورقص قلبي طربا ، في تلك الزاوية ، على جدار الغرفة تركت رسومك بعد أن عبثت بالألوان ورسمت قارب وبحر ينعكس على صفحاته ضوء القمر.

ارجع ياولدي ولاتذبح فؤادي مرتين ، مكانك بين جوانحي ، فهو الملاذ والوطن مهما جار الزمن وفاض الشجن ، ألمح وجهك في زوايا الغرفة وبين طيات ألبوم الصور ، وفي كل صباح عندما تلثم قطرات الطل شفاه الياسمين والأقحوان ، حتى أوراق شجر الليمون باتت تجثو حزينة كلما تلاعبت بها نسيمات الصباح ، فهل من لقاء ؟

السويد – 7 / 8 / 2016
Read more ...

السبت، 6 أغسطس 2016

سليم في حضرة الوزير – محمد الفاضل




تحلق عدد من أهالي القرية المنسية حول سليم وهم يتدافعون بحماس ، حرص على تدوين كل احتياجات الأهالي وصياغتها بأسلوبه المميز ، كان أوفرهم حظا فقد أكمل تعليمه الإبتدائي ، ناهيك عن ذكائه المتوقد وخطه الجميل بشهادة الجميع ، انهمرت عليه الطلبات مثل زخات المطر ، بدا متململا ولكنه آل على نفسه أن ينقل الرسائل بأمانة وصدق . شرع بالكتابة وهو في حالة حبور وترقب ، غدا سوف يمتع ناظريه برؤية الوزير الذي تكرم ووافق عل زيارة قريتهم عشية الانتخابات برغم مشاغله الجمة وحجم الأعباء الملقاة عل عاتقه ، هو الأقرب إلى نبض الشارع كما يبدو في التلفاز عند زياراته التفقدية الموزعة على خارطة الوطن .

سليم من أشد معجبيه ، هو ابن قريتهم ، ولطالما أسبغ عليه صفات جمة وأطنب في وصف ورعه وحبه للشعب ، ونزاهته التي هي فوق الشبهات ، حتى أنه رفعه إلى مصاف الأنبياء ، تحولت القرية إلى خلية نحل وكل منشغل بأمر ما ، هذا يعلق صور ابن القرية البار وذاك يزين دكانه بلافتات كتب فوقها عبارات ترحيب ، وآخر يعلق الزينة مع الأعلام .

في ذلك الصباح الربيعي المشرق اصطف الأهالي وتوزعوا عند مدخل القرية وقد ارتدوا ثياب العيد ، تصدر المشهد الوجهاء مع مختار القرية ، يرافقهم سليم وهو ينوء بحمل العرائض والظلامات التي قام بكتابتها أمس. حبست الأنفاس واشرأبت وتطاولت الأعناق فقد لاح موكب الوزير ، تحف به السيارات الفارهة التي تنهب الطريق الريفي مخلفة سحابة من الغبار ، تعالت الزغاريد وصدحت الأصوات بهتافات تدرب عليها الجميع مساء البارحة تحت إشراف سليم ، ونحرت الأغنام احتفاءا بوصول ابن الشعب البار .

تسابق الأهالي نحو السيارة وكل يمني النفس بلثم يد الوزير ونيل شرف مصافحته ، استنفر طاقم الحماية وبدأوا بتفريق وإبعاد الأهالي ، في تلك الأثناء كان الوزير يلوح بيده لجموع المحتشدين وهم يتدافعون بحماس ، اقترب سليم من السيارة وهو يحمل هموم الأهالي وهم بلثم يد الوزير ، مد الوزير يده باشمئزاز متصنعا الود حيث طبع سليم قبلة فوق يده ولم ينس أن يسلمه الأمانة التي كلف بها ، تجهم وجه الوزير وشعر بالتقزز ، أومأ لمرافقه ، فناوله المناديل المعطرة ومسح يده بقرف ظاهر وهو يتمتم :

- رائحة ذلك الفلاح تفوح بروث البقر وفضلات الدجاج !

- ولكن ، يا سيادة الوزير ، ماذا أفعل بكل تلك الأوراق ؟ سأل مرافق الوزير .

- تخلص منها ، تصرف ! ارمها في أقرب سلة مهملات ، أجاب الوزير ، ويحهم ! كيف يتجرأون ؟ هؤلاء الفلاحون لا يشبعون... أردف قائلا .

السويد – 6/ 8 / 2016
Read more ...

السبت، 30 يوليو 2016

لن أختبئ خلف اصبعي – محمد الفاضل



لن أتأنق وأضيع وقتي في اختيار البدلة المناسبة التي تليق بالحدث ولايهمني تناسق الألوان ، يكفي أن أحضر حتى ولو بملابس السباحة ، وسأرفض رفضاً قاطعاَ ارتداء ربطة العنق وسأتعمد لبس زوج جوارب مثقوبة ، سأضرب عرض الحائط بكل التقاليد والأعراف والمجاملات التي تعودنا عليها ، سوف أخالف جميع قواعد الاتيكيت والكياسة ، وربما ألجأ إلى سحب السفير بحسب القوانين الدولية المتبعة ، لم يعد ينفع أن نُجَمل الحقائق ونثني على جمال عيون الأعور ونُسهب في التغزل بها ، ونسبغ عليه ألقابا لايستحقها ، لن أختبئ خلف إصبعي وأدعي أن كل شئ على مايرام ، فالأمر جلل وأرفض الدخول في جدل بيزنطي لاطائل منه ، لن أدعي الحياد والموضوعية في تناولي هذا الموضوع الهام .هي مجرد تساؤلات مشروعة أضعها بين أيدي العقلاء وأخص بالذكر طبقة الانتلجنسيا بغض النظر عن مشاربهم ،

من الطبيعي أن نختلف في كثير من المسائل اليومية ولكن تبقى هناك ثوابت وبديهيات لايمكن الالتفاف حولها ، وإلا وسمنا بالعناد الأجوف وعدم المصداقية ، هذا إذا أحسنا الظن ، لماذا يصر البعض على إلصاق التهم والتخلف بالدين الإسلامي ويشوه الحقائق عن سبق إصرار وتعمد ؟ ماالعيب في إرتداء الحجاب ، أليس حرية شخصية ؟ وأنتم تتشدقون وتدبجون القصائد في أهميتها وقدسيتها ، أم أن الحرية درجات وألوان ؟ وقد لاتليق بالبعض ! هل أصبح الدفاع عن الشذوذ الجنسي فضيلة ورقي ، والملابس الساترة جريمة ؟

هل يُجرم البعض إذا أطلق لحيته ، وتكال له كل التهم والجرائم ، بل يعتبر إرهابي ؟ أليست اللحية موضة عصرنا ، وقد أنتشرت حتى في أوساط الممثلين والفنانين ؟ ألا يسعى الغرب لفرض سيناريو بالقوة على كل المنطقة ؟ هل جرائمه مبررة كون بشرته بيضاء ويرتدي أفخر ماركات البدلات ، ويضع العطور كي يغسل يديه من دمائنا ويظهر وكأنه داعية سلام ! من يقصف مدننا بالطائرات ، أليس الغرب ؟ من سَوق الورقة الطائفية ، ولمصلحة من ؟

لماذا ندافع عن الطغاة ونبرر جرائمهم ؟ لماذا نعطي الحق للحاكم المجرم أن يستخدم كل أدوات القتل ويستعين بكل المرتزقة والمليشيات ومن خلفهم الغرب ( حمامة السلام ) ونعتبره حق مشروع ؟ هل المطلوب أن نُدفن أحياء تحت ركام بيوتنا وتُمسح مدننا بحجة مكافحة الإرهاب ؟ إرهاب من ياسادة ، بالله عليكم أجيبوني !

هل يُعقل أن تستباح الشام من أجل طبخة مسمومة تُطبخ على نار وقودها الأبرياء ؟ هل من المنطقي أن يجلس الطاغية فوق كرسي من الجماجم ، كونه ظل الله في الأرض ؟ ثم يخرج علينا أحدهم ويسميه نصراَ ! هو ذئب فلماذا تصرون أن تلبسوه ثياب الحملان ؟ قليل من الحياء ، ياسادة وبضعة غرامات من الصدق ورشة بهارات من الموضوعية ، علها تُعيد لنا بعض كرامتنا المهدورة !

محمد الفاضل
السويد – 30 / 7 / 2016





Read more ...

الأربعاء، 6 يوليو 2016

مراكب خلف الشطاَن – محمد الفاضل




يتهادى قارب الأحلام في عرض البحر ، يحمل في جوفه وعود وأماني ظلت حبيسة صندوق ذكريات عتيق ، مع أهات وغصات ، في ذلك المكان البعيد خلف الشطاَن وغابات النسيان وبرد الشمال ، تنتظر الأمهات عند مرافئ الوداع عودة الأحباب ، هملت العيون وصدحت التسابيح في جوف الليل ، يحدوهم الأمل بلقاء قريب . ودعاء في ساعة سحر ، يا راحلين ارجعوا .. اشتاقت لكم زوايا المكان ، وسهرات المساء ، ومواسم الحصاد ، ورائحة قهوة الصباح بطعم الهال وعبق الياسمين ، رحلتم وتركتم في القلب غصة ، مازالت شجرة الدار وزهر الياسمين يتنسم عطركم مع نسيمات الصباح وأنفاس الفجر . مازال العيد يفتقد ضحكاتكم ، والأطفال ينتظرون ( خرجية ) العيد .

أبحرت مراكبكم مع أول ضياء ، تمخر عباب المجهول ، في لجة البحر وتلاطم الأمواج ضاعت الأمنيات والذكريات ، تحجرت الدموع في المأقي ، وعلى شاطئ البحر يرقد( اَلان ) يلعن الخذلان ، بعيدأ عن أحضان الأمهات المكلومات ودفء المكان ، مرت السنون سراعاً ولم تزل المراكب تبحث عن مرفأ .
حتى مرابع الصبا لم تعد تعرفنا ، بتنا غرباء ، في خضم بحثنا عن الأوطان .

يا بحر ...كم ابتلعت من قصص وحكايا .... وكم ابكيت من عيون ،
يا قارب الأحلام ... رفقاً بقلوب الأمهات ، فقد طالت الأيام ولم يعد للحزن متسع ،
يا ليمونة الدار ... أما زلت تذكرين عهدنا أم تراك نسيت ؟
يا عصفور السنونو ... أما زلت تحمل رسائل الشوق لأحباب خلف الوادي ، أم تراك هرمت ؟
يا كرمة الدار ... أما زلت تذكرين سهراتنا تحت ضوء القمر ، أم تراك يبست ؟

يا أماه ... أما زلت تذرفين الدمع وتشمين قميص يوسف وعدنان ، أم ترى عيناك ابيضت من الحزن على فرقة الخلان ؟ هل مازلت تلوحين لكل العابرين ؟ لله درك كم صبرت ، وكم ... وكم
كفكفي الدموع يا أماه ، نحن عائدون ، نحن عائدون يا وطن ، نكحل العيون بتراب الشام ونلثم جباه الأمهات ونمسح الغبار عن دفتر الذكريات وألبوم الصور ، نروي شجر الياسمين ونحتسي قهوة الصباح تحت ظلال الزيزفون وجفنات العنب . سنكتب على أوراق السنديان والحور قصائد غزل وملاحم فاقت بطولات أخيل .

السويد – 1 / 7 / 2016
Read more ...

الثلاثاء، 21 يونيو 2016

إنهم يصعدون إلى السماء – محمد الفاضل




- انهض يا ولدي فقد حان موعد ذهابك إلى المدرسة ، لقد جهزت لك الفطور ... لماذا لا ترد ؟ ماخطبك ؟

- ها أنت تمارس لعبتك المفضلة مجدداً ، حتى إخوتك لايردون ! لماذا هذا الصمت اللعين ؟

- سامحني يا فلذة كبدي لأني لم أستطع أن أشتري لك اللعبة التي طلبتها ، انهض وأعدك بأني سوف أشتري لك لعبتك المفضلة ، انهض أرجوك ! لا تفعل هذا بي ، يكفي تظاهر ... يا ولدي ، رحيلك يخنق روحي ويسحبها من جسدي ، فتتحول إلى شجرة ذبلت أوراقها وتساقطت على شرفات سنين عمري .

جثت الأم على ركبتيها والعبرات تخنقها ودموعها الحارة تسيل على الوجنات لتبلل وجوه صغارها الثلاثة ، وهي تلثم جباههم مودعة إياهم الوداع الأخير ، لقد فقدت أعز ما تملك ، بدت غائبة عن الوعي وهي ترثيهم بكلمات قدت من وجع عميق يمتد إلى أعماق روحها ، تقطعت أوتار قيثارة قلبها ولم تعد تصلح للعزف ، أضحت مجرد اَلة لا روح فيها . بدأت تهذي من هول الصدمة ، - فقدكم قصم ظهري يا سلوة الروح .

بالأمس كانوا يتقافزون مثل عصافير الدوري وهم يشيعون الفرح في زوايا المنزل ، كانت ضحكاتهم تنعش فؤادها وتمدها بالأمل بمستقبل مشرق ، كم سهرت الليالي وهي تهدهدهم بيدها الحانية ، فينبع الحب والحنان سخياً من بين أناملها ليمتد إلى أرواحهم البريئة فيغمرها بالسكينة والطمأنينة ، فتغدو حديقة غناء . لطالما كانت تردد : " الله لا يفرقكم عن بعض ، يا أولادي " ولم يدر في خلدها أن دعاءها سوف يتحقق .

كان الأب يقف مشدوهاً على مقربة من جثامينهم المسجاة على الأرض ، انحنى فوقهم ودموع فقدهم تحرق قلبه وبدأ يقبل جباههم الواحد تلو الاَخر ، حتى حجارة الدار بدت وكأنها تنعيهم وتحن لوجودهم ، لطالما كان صخبهم وصراخهم يتردد في جنبات الغرفة . هنا رسموا بشقاوتهم على الجدار أحلامهم وأمانيهم ، وهناك كانوا يلعبون الغميضة ، لا ترحلوا يا أولادي فالحياة بدونكم جحيم لا يطاق ، من سوف يستقبلني بالأحضان عندما أرجع من عملي ويتعلق بكتفي ؟ ويردد بصوت رخيم

" بابا ، عطينا مصاري نشتري بوظة"
- " بابا ، خدنا مشوار بالسيارة "

السويد – 20 / 6 / 2016





Read more ...

الأحد، 12 يونيو 2016

السحور الأخير – محمد الفاضل





تدور أحداث القصة في مدينة أورم الكبرى حيث تقع في منطقة جبل سمعان في محافظة حلب ، وتشتهر بزراعة أشجار الجوز والزيتون ، والكروم ، وبيوتها حجرية طينية وبعض المساكن الحديثة من الإسمنت . يعمل معظم أهالي المدينة بالزراعة فالمنطقة فيها مساحات خضراء واسعة وتشتهر بتربتها الخصبة .

في تلك المدينة الصغيرة يعيش كفاح مع والدته وشقيقته وزوجه وبناته الأربعة في أحد البيوت المتواضعة ، في ذلك المساء بدأت الأفكار تتنازع مخيلته والهم يلعج بصدره ، كان يبدو شارد الذهن على غير عادته وكأن جبلاً من الهموم يجثم فوق صدره ، فصواريخ الطائرات والقنابل التي تنهمر فوق المدينة لا تفرق بين طفل أو شيخ ، أو حتى امرأة ، فالجميع أهداف مشروعة ، واَلة القتل تحصد الأرواح بشكل جنوني !

كان أفراد الأسرة منهمكين في إعداد وجبة السحور المتواضعة في شهر رمضان والتي غاب عنها الكثير من المواد الأساسية ، حيث يعتبر السحور من الوجبات الأساسية في سوريا في شهر رمضان ، ولكن الوضع تغير ، فأصبح هاجس العائلة الأول هو حصولهم على كفاف يومهم .

أسند كفاح ظهره على الجدار ووضع وجهه بين راحتي كفيه والقلق ينهش روحه وبدأ ينفث دخان سيجارته بعصبية واضحة ، التي أضحت سلوته في ظل الظروف الصعبة ، عشرات الأسئلة كانت تتزاحم في رأسه المتعب ولا يجد لها إجابة مقنعة ، لماذا يجب أن يموت كل هؤلاء ؟ لماذا يفرد شبح الموت جناحيه فوق المدن والقرى ؟ متى تضع الحرب أوزارها ؟ شعوره بعجزه أدخله في دوامة حزن عميقة .

تجمع أفراد الأسرة حول صحن الزيتون والزعتر مع أكواب الشاي وحمدوا الله على هذه النعمة ، فحالهم أفضل بكثير من بعض المدن المحاصرة ، الذين يموتون جوعاً وبعضهم يقتات على الحشائش ،الخوف والترقب سيد الموقف ، بدأ الأب يتفرس بوجوه أفراد أسرته ، و يتأملهم بصمت والحزن يعتصر قلبه ، أطال النظر إليهم واستغرب اصفرار وجوههم ، فكرة فقد أحدهم كانت تزلزل كيانه وتضغط على صدره فتضيق أنفاسه . دلفت الزوجة إلى المطبخ وهرعت البنات لمساعدتها وهن يتضاحكن ، في محاولة مصطنعة لكسر جدار الصمت ورتابة المكان .

بعيد لحظات دوى انفجار هائل هز كامل المدينة ، اختلطت حبات الزيتون والخبز بدمائهم ، فجأة ران صمت مطبق على أرجاء البيت ، وتحول المنزل إلى ركام , لقد مات الجميع وهم يستعدون لصلاة الفجر بعد أن أمسكوا عن الطعام . في ذلك اليوم الدام أعلنت وسائل الإعلام عن موت 12 شخصاً واصابة العشرات بجروح نتيجة قصف للطائرات الروسية مستخدمين القنابل الفراغية والنابالم !

السويد – 12 / 6 / 2016

Read more ...

الاثنين، 6 يونيو 2016

زجاجة عطر – محمد الفاضل






همت على وجهي في صباح ذلك اليوم الربيعي حيث قادتني قدماي إلى الغابة المجاورة التي لا تبعد عن منزلي سوى بضعة أمتار ، كسا الربيع الأرض جمالاً فتحول الكون إلى بساط أخضر ، أينما وليت وجهك تجد زهوراً فاحت رائحتها بشذا الكون ، حينما تدلف إلى الغابة تشعر أنك تعانق حضن الطبيعة الخلابة .

الشمس تنشر خيوط أشعتها الذهبية على استحياء ، مثل غيداء تفرد خصلات شعرها فينعكس ضوؤها الخجول على صفحة ماء البحيرة اللازوردي ، بين الصخور التي تكسوها الطحالب الخضراء ، تهب ريح ناعمة فتداعب أوراق الشجر وترتعش الأغصان وتتمايل بدلال على وقع شدو العصافير وحفيف أوراق الشجر .

أويت إلى شجرة ظليلة وجلست تحت أوراقها اليانعة ، أرسلت نظري بعيدأ ، أتأمل تلك اللوحة الساحرة التي أبدعها الخالق ، تناهى إلى سمعي صوت طائر مغرد فهيج أحزاني ، تراقص قلبي وأشجاني ، أعاد ذكريات برائحة الزعتر والليمون ، حيث السفوح تحتضن شجر السنديان والبلوط .

الربيع في شامي يثير البهجة في النفوس الحالمة ، يأخذ بمجامع القلب ، حيث أشجار الصنوبر واللوز والزيتون ، وكأن الطبيعة قد خلعت رداءها الأخضر فألبست الأرض أجمل حلة ، عادت الحياة لتتجدد مرة أخرى ، وتعانقت أغصان أشجار الصفصاف وألتفت على بعضها بحنو وروائح زهور البابونج تعبق بشذا الطبيعة .


لي ربيع فوق ربى الشام يعبق برائحة الليلك والياسمين ، هناك خبأت تحت وسادتي زجاجة عطر ومجموعة رسائل عشق مهرتها بدمي ، في موسم الحب حيث السنونو والحسون ، تنسمت عبير بلادي فسافرت روحي مع نسيم الصبا إلى حيث الذكريات يوم رسمنا قلبين على شجر الحور والجوز ، وتعاهدنا أن لا نفترق ، يوم كنا نفترش الحقول ونلتحف السماء ، ونسمر تحت جفنات العنب حيث تتدلى العناقيد والكون ينصت لعزف الدلعونا والميجانا في مواسم الحصاد .

سنرجع يا حبيبتي وسنكتب أشعارنا على ورق الحور والغار ، و نغفو على سرد حكايات الغربة و قصص الحنين ، يوم افترقنا ورحلت في ليلة مقمرة . سنرجع مع أسراب السنونو ، مثل نيسان عندما يمطر دموع فرح ، يقبل الأزاهير فتتورد خدودها وتغفو في حضن الوطن .

السويد – 5 / 6 / 2016
Read more ...

السبت، 4 يونيو 2016

عدالة اجتماعية – محمد الفاضل






طفلتان مثل نسمة هواء عليلة في قيظ النهار ، بعمر زهور الربيع وهي تعانق خيوط الشمس ، مثل فراشات تتراقص مزهوة بألوانها الخلابة ، حيثما تحط تضفي المرح والسحر ، تعيشان في زمن العولمة على هامش الحياة ولا يعبأ بهما المجتمع ، تجوبان الحارات ، تنقبان بين فضلات القمامة ومخلفات الطبقة المخملية عن بقايا طعام تسكتان به جوعهما ، فالمعدة خاوية لم تذق الطعام منذ ليلتين . وفي المساء بعد أن ينال منهما التعب تفترشان صناديق الكرتون فوق الرصيف وتلتحفان السماء ..

الكبرى لا تتجاوز العشر سنوات ، من الوجوه التي أودعها الله البراءة ، أثقلت الهموم ممشاها والهم أضناها ، يكسو وجهها الحزين علامات البؤس والشقاء ، اضطرتها قسوة الحياة وشظف العيش إلى ارتياد براميل القمامة وأكوام الأزبال بشكل يومي ، وترافقها في مشوارها المضني أختها الصغرى ، كانت شفتاها تفتر عن ابتسامة يغلب عليها الحزن . أخيراً وجدا ضالتهما بعد طول عناء ، وكأنهما وجدا غنيمة !

جثت الصغرى على ركبتيها عن طيب خاطر ، فوق اسفلت الشارع بجانب الحاوية حيث تتبعثر الأكياس البلاستيكية ، وقد أدمت الحصى ركبتيها الغضتين ولكنها تحاملت على نفسها ووضعت ملحاً فوق الجراح ، ارتقت أختها فوق ظهرها الذي بدأ يرتجف مثل سعفة نخل خاوية ، وشرعت تبحث عن بقايا طعام .

- أسرعي يا أختي! أرجوك فظهري لم يعد يحتمل ، هل وجدت شيئا نأكله ؟ أنا أتضور من الجوع .

هدأت اختها من روعها ، صدرت عنها زفرة من جوانحها تشتعل ناراً وتحجرت الدموع في مقلتيها .

- اصمدي قليلاً غاليتي! ريثما أملأ الكيس .

في الطرف الاَخر من المدينة حيث تتلأًلأ الأضواء وتزدان الغرف بثريا الكريستال المعلقة مثل النجوم المرصعة في كبد السماء ، رجل يزن حفيدته وينقدها مليون دينار مقابل وزنها كهدية بمناسبة عيد ميلادها !
Read more ...

الجمعة، 3 يونيو 2016

لوحة ناطقة – محمد الفاضل



اكفهرت السماء واصطبغت بلون رمادي ، جن جنون العاصفة و بدأت تزمجر وكأنها عويل عجوز تنتحب ، في تلك اللحظة كانت روحه في حالة توحد مع الكون ، مثل متصوف زاده الخشوع نوراً ، يناجي رب العباد بتذلل ، والدموع الساخنة تنهمر فوق وجنتيه حتى خضبت لحيته ، وقف مشدوهاً وسط بقايا الأجساد المقطعة والأشلاء الَاَدمية التي تفوح منها رائحة شواء فوق أرضية الأسفلت ، وقد أفقده المشهد توازنه ، فبدأ يهذي والحزن يعتصر قلبه المكلوم ،

طار صوابه عند رؤيته رأس طفله الصغير وقد تلطخ شعره الذهبي بالدماء وتعفر بالتراب ، بالأمس القريب كانت ضحكاته تملأ المكان ، لطالما داعب خصلات شعره بيده الحانية ، فرد ذراعيه في الفضاء ، حتى بدا مثل صقر يحاول التحليق بأجنحته ليغادر هذا العالم المنافق .

مال برأسه نحو السماء و بدأ يتمتم ببعض الأدعية . على مقربة منه يرقد بقايا صبي وقد غطى وجهه وكأنه لا يريد رؤية قبح الانسان ، بالأمس كان يقفز فرحاً مثل طائر مغرد ، نحو اليمين قليلاً أصابع يد ربما تعود لأب كان يمسح على رأس أطفاله ويربت على أكتافهم ليبث الطمأنينة في نفوسهم البريئة ويهدأ من روعهم ، ولكل قطعة لحم حكاية تروي مأساة شعب ذبيح ، تنكر له الجميع .

خلفه تماماً رجل مسن انكفأ على وجهه وقد تجلط الدم حول رأسه . المشهد الأكثر قسوة رأس امرأة ملقى بعيداً ، علامات الفزع بادية على محياها وقد فغرت فاها وهي تصرخ ولسان حالها يقول ، كفى ... كفى ، أوقفوا الحرب ، ألم ترتوا من دمائنا ؟ لقد بدا ذلك الوجه مألوفاً ، لم يدر كيف قادته رجليه نحوها , تفحصها عن كثب ، تعرق وبدأت تسري في كامل جسده قشعريرة ، أحس بدوار وانتابه صمت عميق ، توقف الزمن عن الدوران في تلك اللحظة ، تسارعت دقات قلبه حتى خيل إليه أنه سوف يتوقف ، راعه ذلك الوجه !

- ولكنها زوجتي .. زوجتي الحبيبة ....

السويد –3 / 6 / 2016
Read more ...

السبت، 28 مايو 2016

رسالة طفل سوري – محمد الفاضل







أكتب لكم رسالتي التي يعلوها غبار المنزل ، بعد أن سقط فوق رؤوسنا ، لعل صوتي الصغير يصل إلى مسامعكم ، عسى أن تصحوا ضمائركم وتفتحوا أعينكم على الحقيقة المرة ، جسمي النحيل محشور بين كتل الأسمنت والحجارة ، بعد أن تهدم منزل أحلامي على رؤوسنا ، البيت الدافئ الذي كان يحتضىن الجميع ، أضحى ركاماً.

هنا كنا نتحلق حول مدفأة الشتاء ، على رائحة شواء الكستناء ، نستمع إلى حكايات جدتي عن الزمن الجميل ، هناك في تلك الزاوية البعيدة كنا نبوح للقمر بأحلامنا وأسرارنا ، نغزل من ضوء القمر مجموعة أمنيات ، هناك ترقد دميتي الملطخة بالدماء وتتبعثر أقلامي وكراسة رسمي ، صدري يضيق بالركام ، يجثم فوقه ، ولكن الهموم أكبر.

جبل من الهموم يرقد فوق أضلاعي ، في تلك الغرفة كنا نغفو على سرد الحكايات ولمسات أمي الحانية ، نرنو إلى القمر عبر نافذة الأحلام ، نطالعه في كبد السماء ، تتعلق به قلوبنا الصغيرة المثخنة بالجراح ، أنا ضحية المساومات وتصفية الحسابات ، أنا ضحية مؤتمرات الخسة ، حيث شربت الأنخاب ، أنا المواطن ، مجرد رقم في عشية الانتخابات.
أنا ضحية طالبي ثأر ، للحقد قد رضعوا ، تعشعش في عقولهم خيوط العنكبوت ، أنا الصغير لا أفقه بالسياسة ولا خطط التقسيم ، أنا من ابتلع البحر أمه وأباه ، أنا من أمسى بيته خيمة في وسط الصحراء ، بعد أن كنت للضيف أخا وحبيبا.
Read more ...

الجمعة، 20 مايو 2016

يوميات مدير – محمد الفاضل




وجد صعوبة بالغة في ارتداء بدلته الإيطالية هذه المرة ، في الأونة الأخيرة اكتسب عدة كيلوجرامات من الشحوم نتيجة شراهته المفرطة ، وبعد طول عناء ، نجح في حشر كرشه المتدلي داخل البدلة ، كان يتصبب عرقاً وتقطعت أنفاسه . وضع ساعة الروليكس في معصمه ولم ينس أن يتعطر بأفخر العطور الباريسية ، طالع نفسه في المراَة وشعر بالزهو ، ركب سيارته الفارهة وأشعل سيجاره وبدأ ينفث الدخان بعصبية ظاهرة وهو يتململ في مقعده الخلفي .

الزحمة خانقة في الصباح ، نهر سائقه بأن يسرع ، حار السائق المسكين ماذا يرد عليه ، ولكنه أذعن للأمر وبدأ يضغط على دواسة البنزين ،
- اللعنة على هذه الشوارع ، تبا لأنظمة المرور ! متى يتطور هذا البلد ؟ متى نصبح مثل الدول المتقدمة التي تحترم مواطنيها ؟
قبل حوالي شهرين كان يحضر أحد المؤتمرات كعادته في أوروبا الذي يناقش كيفية تحفيز الموظفين وتحسين الأداء الوظيفي ، جلس في كرسيه الجلدي الوثير وبدأ يطالع الأخبار في الصحف اليومية ، لم يجد ما يثير اهتمامه ، شرع بحل الكلمات المتقاطعة ،
بدا مدير مكتبه متهيباً وهو يقدم خطوة ويؤخر أخرى حاملاً بريد الصباح ،

- ماذا وراءك ؟ لماذا تقف منتصبا كالتمثال ؟
- سعادة المدير ... لا أدري كيف أبدأ ...... إنه ... إنه بخصوص أحمد .
- من ؟ من هو أحمد ؟
- سيادتكم ، إنه يعمل في قسم الأرشيف وقد قدم عدة طلبات مؤخراً بخصوص سلفة ،
أشعل المدير سيجاره الكوبي الفاخر والذي يحرص على اقتنائه من أفخر الأنواع وبدأ يرقب مشهد سحب الدخان الذي ينفثه في هواء الغرفة .
- ألم يأخذ سلفة الشهر الماضي ؟ انه جشع لا يشبع أبدا .
- سيادتكم ! لقد رزق بمولود الأسبوع الماضي .
- ما بال هؤلاء ؟ يتناسلون مثل الأرانب ، لماذا لا يخططون للمستقبل ، هؤلاء سبب تأخر البلد ، تباً لهم !

أخرج قلمه الباركر الثمين من جيب بدلته وبدأ يكتب ، " نظراً للظروف التي تمر بها الشركة ، يرفض طلب المدعو ، وبهذه المناسبة نهيب بكافة الموظفين ترشيد الاستهلاك و ممارسة سياسة شد الأحزمة "
ولم ينس أن يذيل توقيعه الذي تدرب عليه مراراً ، استدار نحو مدير مكتبه وبادره بالسؤال .
- سامي ! هل حجزت كل الطاولات في المطعم للوفد الأجنبي ؟ نريد أن نظهر أمامهم بمظهر لائق ، يجب أن تكون المائدة عامرة بما لذ وطاب ، مهما بلغت التكاليف ، ولا تنس الكافيار !

السويد – 19 / 05 / 2016
Read more ...

الأربعاء، 18 مايو 2016

بدون مجاملة – محمد الفاضل


لا أذيع سراً إذ أقول أن الأثير أصبح ساحة تراشق إعلامية واختلط فيها الحابل بالنابل ، وأضحت مهمة الوصول إلى الحقيقة يكتنفها شئ من الصعوبة نظراً لدور الإعلام غير المحايد في تشويه الوقائع ولي عنق الحقائق ، بيد أن الحصول على المعلومة الصحيحة ليس بالأمر العسير ، حيث أصبح كل شئ متاح في ظل التطور التكنولوجي ، شرط قراءة التاريخ بعقلية منفتحة ودون تحيز ، وبموضوعية وتحليل الأحداث وقراءة مابين السطور .

ولا يخفى على القارئ الحصيف دور بعض المثقفين والاعلاميين في تزوير الحقائق والدفاع باستماتة عجيبة عن الأنظمة القمعية بدوافع شتى ، بل وصل بهم الأمر بإصدار شهادات وطنية وحسن سلوك لحكامنا، وشد ما كانت دهشتي حين قرأت لبعض الأدباء الذي كنت أجلهم كثيراً ، وهو ينبري للدفاع عن نظام القتل في سوريا وكيل المديح لروسيا و بوتين .

هؤلاء ينحون باللائمة على المعارضة السورية والشعب المتاَمر ، وبعض الدول المجاورة التي تتاَمر على سوريا ، وهذا جانب من الحقيقة ، أو بالأحرى الجزء الفارغ من الكأس ، و لأجل أن نرى الصورة كاملة ، يجب أن نحرر عقولنا ونتسم بالموضوعية للوصول إلى كنه المشكلة الحقيقية.
وهنا يتوجب علي استخدام مبضع الجراح بعناية فائقة ، توخياً للحذر بعدم إصابة المصداقية بجروح ، مما قد يؤدي للوقوع في شرك الطائفية المقيتة والنظرة الضيقة ، ناهيك عن التعصب الأعمى ،

ولا أخترع البارود حين أقول أن سوريا أصبحت ساحة لتصفية الحسابات ، ولكن يبقى السؤال الأهم ، ألا وهو أين موقع النظام من الإعراب ، وهل يتحمل المسؤلية ، أم هي مجرد مؤامرة كما يحلو للبعض أن يسميها؟
ولنبدأ بالقضية الفلسطينية ، تلك الورقة التي يلعب بها النظام و يتاجر ، في عام 1976 حاصرت الوحدات الخاصة السورية مخيم تل الزعتر في لبنان ونفذت إبادة جماعية بحق سكان المخيم ، بل تعداه إلى منع الصليب الأحمر من دخول المخيم ، حيث اغتصبت النساء وأذل الشيوخ على مرأى من أبنائهم وتم قتل الالاف ، حتى اضطر الناس إلى أكل لحم القطط نتيجة للحصار والتجويع ، أليس هو نفس السيناريو الذي يتكرر اليوم مع فارق الفترة الزمنية ؟ وهذه وقائع تاريخية مثبتة لا يمكن انكارها .

و لاننسى معارك طرابلس ضد عرفات ، وقتال المقاومة الفلسطينية ، هذه هي حقيقة المقاومة والممانعة ، والقائمة تطول ، من قام باغتيال كل من كمال جنبلاط ، المفتي حسن خالد ، وصولاً لرفيق الحريري وجبران تويني ، وبشير الجميل ؟ ولكني لن أطيل على القارئ .
في عام 2000 تم تغيير الدستور السوري لعام 1973 وفصل على مقاس بشار اَنذاك حيث كان عمره 34 سنة والدستور واضح ، عمر الرئيس يجب أن لا يقل عن 40 سنة ، بل وصلت المهزلة إلى انتخابه أمين عام للحزب !
قام النظام باعتقال زعيم الحزب الشيوعي السوري رياض الترك واستاذ الاقتصاد الدكتور عارف دليلة ، ورياض سيف و مأمون الحمصي ، متهماً اياهم بالتخابر مع دولة أجنبية.

نأتي إلى بداية الثورة ، ألم تكن سلمية ؟ ولكن النظام قابلها بالرصاص ! مع العلم كان بإمكانه أن يحتويها ، ولكنه الغرور والعقلية البوليسية . ولكي لا يتفلسلف علينا البعض ويستخدم ورقة داعش ، نقول لهم ، ألعبوا غيرها ! لم يكن قد دخل على خط الثورة اَنذاك.
نحن لا ننكر أن الثورة انحرفت عن مسارها ، ودخلت كل الأطراف ، بدون مبالغة ، على خط الثورة ، ولكن هذا لا ينفي إجرام النظام ، تلك هي المشكلة الأساسية ، وما اَلت اليه الأمور نتيجة طبيعية ، هل من عاقل ينكر استخدام البراميل فوق المدن وصواريخ أرض أرض ، ناهيك عن الطيران وقصف الأسواق الشعبية ، والغازات الكيماوية , و الجزء الأخطر اللعب بالورقة الطائفية ! وجلب ميليشيات طائفية ، والزج بها في أتون الحرب ، أليس هو النظام من استخدم ورقة داعش ؟
البعض يغمز من طرف الاستعانة بالمقاتلين الأجانب, ولكن ألا يفعل النطام الشيء نفسه! أم أن كل تلك الميليشيات الطائفية هي حمامات سلام!

Read more ...

الاثنين، 16 مايو 2016

قصص مفبركة – محمد الفاضل



صبية بعمر الزهور ، تقطر براءة ، مثل برعم تفتح للحياة ، متعطش لنور الشمس ، في غصن شجرة أسودت جميع أوراقها بفعل البارود ودخان المدافع ، وتكاثرت عليها معاول وفؤوس الحقد ، تهرول مفزوعة والخوف ينهش قلبها الصغير ، تجري على غير هدى ، لا تلوي على شئ ، تبحث عن زاوية اَمنة تأوي إليها ، ساقاها لا تقويان على حملها ، تستصرخ ضمائركم ، عقلها الطفولي لم يستوعب ما يحدث ، تصرخ ملء شدقيها ،

" حبابة خالة ، فوتيني على بيتك قبل ما يجي البرميل الثاني " .

تستغيث ، ولا مجيب ، في زمن العهر والرذيلة تستباح الطفولة ، والعالم يدير ظهره ، مشغول بأمور البيئة وطبقة الأوزون !!

صبي يودع الحياة بعبارة " سوف أخبر الله بكل شئ " .

ولكن ، مهلاً ...أين منظمات حقوق الطفولة ؟ هل يجب أن نغير جلودنا ، وأسماءنا ، ونتبرأ من جنسياتنا ، حتى نُسمع ؟

صبية جريحة ، تتوسل بالمسعفين وتقول بصوت مفجوع

" لا تقصوا بيجامتي .. بيجامتي جديدة " .

صبي كل ذنبه أنه ينتمي إلى مدن الفجيعة والأحزان ، تلك البقعة المنسية ، في الأرض اليباب ، تتشح عروس الشام بالسواد ، مثخنة بالجراح ، تنهمر دموعه ويصرخ ...

" وينك يا أختي، يا أسماء ! يا أسماء ! .... أختي ماتت ، أختي ماتت " .

يجلس والده بجسده المتهالك على الرصيف مع باقي إخوته وقد خرجوا للتو من تحت البراميل ، والغبار يغطي وجوههم ، وقد عقدت الدهشة ألسنتهم ،
أجساد مطمورة تحت التراب ، ألا يستحقون دقيقة صمت ، أو حتى مراسم تأبين ؟
ألا يستحقون أن نعلن عليهم الحداد ؟ علمونا في صغرنا أن العرب أخوة ، ولكن اتضح أنها كذبة !
كنا نردد " بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان " ، حتى بحت أصواتنا ، وكان مدرس الجغرافيا يرسم خارطة الوطن ، على السبورة بالطبشورة ويردد مزهواً ، اللغة والدم ، ووحدة المصير تجمعنا !!
اَسف يا أستاذي !! مزقت كتب الجغرافيا والتاريخ ، لا شئ يجمعنا ، تلك هي خرافة ، انتهى الدرس !!
السويد – 2016 / 05 / 15
Read more ...

الخميس، 12 مايو 2016

عرض كوميدي – محمد الفاضل





مقدمة -


جرت العادة أن يتأنق المرء ويبالغ في اختيار البدلة التي سوف يرتديها في حالة دعوته إلى حفل عشاء فاخر ، أو مقابلة مسؤول مهم ، ثم ينهمك الجرسون في وضع السكاكين والملاعق ، والفوط والشوك في أماكنها الصحيحة حسب الاتيكيت المتبع. ولكني اليوم سوف أخالف القواعد والأعراف الدبلوماسية ، وأضرب عرض الحائط كل تلك المراسيم الكاذبة ، سأرتدي بنطلون الجينز والتيشرت ، وأدخل في صلب الموضوع ، ولن أبدأ بالسلطة أو باقي المقبلات ، بل بالطبق الرئيسي حفاظاً على وقت المواطن الثمين .

المشهد الأول -

يتم تحضير الأستوديو لعرض برنامج كوميدي ، يبدأ المخرج بإعطاء تعليماته الصارمة لطاقم التصوير ، ويبالغ مقدم البرنامج في وضع المساحيق ، ينظر في المرأة فيشعر بالرضا ، يضع اللمسات الأخيرة قبل العرض .يبدأ مقدم البرنامج بالضحك والسخرية وافتعال المواقف المضحكة لانتزاع الضحك من الجمهور الذي فقد حسه الإنساني ، فينهال بالتصفيق ، وتتعالى الضحكات ، حتى أن بعضهم يقلب على قفاه . موضوع البرنامج يتناول شعب مدينة جاحد لإنجازات الزعيم ، متاَمر ويستحق الموت لأنه يفبرك الأحداث.

المشهد الثاني -

- مواطن : هل يمكن أن تقدم نفسك إلى الجمهور ، وأنت بالطبع غني عن التعريف .
- الفنان :أنا فنان كوميدي أسلط الضوء في أعمالي على قضايا البسطاء ومشاكلهم .
- مواطن : ممتاز وكلنا يعلم أنك فنان مرهف الإحساس وقريب من نبض الشارع.
- مواطن : ماهو تقييمك ورأيك الشخصي بما يحصل في حلب ؟
- الفنان : مؤامرة ، يا سيدي كل ما يحصل مفبرك ، تمثيل مقهقهاً بصوت عال .
- مواطن : هل لك أن تشرح أكثر فقد التبس علي الموضوع ، من هو الضحية ؟ من يقصف من ؟
- الفنان : يا سيدي أنا من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان ، ولا يمكن شرائي . هي مجرد خدع سينمائية ، هؤلاء إرهابيون ، يريدون زعزعة أمن البلد واستقراره .
- مواطن : ولكن ، يا حضرة الفنان ، بينهم الأطفال والنساء ، ماذنب هؤلاء ؟ أنا أفهم أن تختلف مع جماعة أو حزب ، أو طائفة ، ولكن ماذا عن حقوق الإنسان ؟ أليسوا بشرا ؟ أنت تناقض نفسك .
- الفنان : أنا قلت ماعندي ، وأشعر براحة الضمير ، أرجوك أنا في عجلة ، ليس عندي وقت ، نحن نستعد لعرض مسلسل سوف يعرض في رمضان قريباً ، بعنوان " مسألة ضمير " .

المشهد الأخير -

بعد انتهاء التصوير ، يلملم الفنان أغراضه على عجل ، يستقل سيارته ويستمع إلى أغنيته المفضلة ، وفي المساء يتناول عشاءه على أنغام موسيقى هادئة ، ثم يضع رأسه على الوسادة ويغط في نوم عميق .

السويد – 12 / 05 / 2016
Read more ...

الأربعاء، 11 مايو 2016

رحلة الشمال – محمد الفاضل

سألني موظف المطار بتهكم ، ماذا تخفي في حقيبتك أيها القادم من مدن الأحزان والخيبات ، أجبته بصوت متلجلج ، لاشئ ياسيدي ، مجرد خارطة وطني الجريح ، وتنهيدات الأرامل ، وأدعية الأمهات ، وحفنة من تراب بلادي ، وبقايا ذاكرة وشتلة ياسمين . في بلادي يعربش الياسمين فوق الأسوار والنوافذ ، ينشر عبيره في الحارات فيثمل العشاق ،أنا المهاجر مثل طائر السنونو ، أنا السندباد ، أفنيت عمري وأنا أرتحل بين مرافئ الشتات وجزر الأحلام ، أحلم بالتأشيرة وأبحث عن جواز سفر، أصنع زورقا من ورق وأخط فوقه أجمل الأشعار ، ليبحر عبر الخلجان. في ذلك المساء ، يوم رحلت ، تحت ضوء القمر ، قالت أمي أن حجارة الدار تنتحب وكأنها تودعني الوداع الأخير ، ولكن هل سيزهر الياسمين في تلك البلاد الباردة ؟ أتسكع في مقاهي " كارلسكوجا " ، وأحلم برائحة المطر في مدينة الياسمين ، أنصت إلى وقع المطر فوق القرميد الأحمر في البيوت العتيقة ، رائحة الشتاء في بلادي معجونة بزهر الليمون . تمددت فوق العشب الأخضر ، في تلك المدينة وأنا أرهف السمع لأصوات العصافير ، ولكنها تعزف لحناً جنائزيا ، وجع ينسل إلى أضلاعي ، تسافر روحي إلى الشرق فوق بساط الريح حيث الدفء ، وصوت ناي الرعاة مع ثغاء الغنيمات و شدو الحساسين ،أغمس ريشتي في محبرتي ، وحروفي أخطها بمداد دموع الأمهات وتنهيدات الغياب ، و حيرة وأسئلة الأطفال . السويد – 11 / 05 / 2016 " كارلسكوجا " مدينة في السويد
Read more ...

الأحد، 8 مايو 2016

مطر على شرفات الذاكرة – محمد الفاضل

كم أعشق رائحة أشجار السرو والحشائش عندما تبكي السماء ، تحنو على الأرض ، فتنهمر دموعها السخية مدراراً ، بعد طول فراق تلثم شفاه الأزاهير العطشى للحب ، فتتمايل بغنج وتمد عنقها لتغازل بدلال حبات المطر بنشوة عارمة ، تعانق أرصفة الشوارع وشرفات المنازل ، تنبعث تلك الرائحة الأَخاذة من الأرض ، فتنعش الفؤاد ،وتغتسل النفوس الحالمة حد الثمالة ، حتى شوارع المدينة وأبنيتها العتيقة من أدران النهار التي علقت بها .تبتل أجنحة العصافير ،تنفض ريشها ، تقفز فرحاً . خلف موانئ الوداع والشتات ، وراء البحور البعيدة ، أجلس في زاويتي الأثيرة ،خلف شرفتي ، أرقب خطوط المطر المتعرجة تنساب فوق النافذة ،أرتشف قهوتي المعتادة ، ممسكاً بقلمي لألون دفتر يومياتي ، أفتش بين طيات الذاكرة المكسوة بغبار سنين الغربة عن أجمل لحظات عمري ، وبقايا صور باهتة . مضى من العمر جله ، ومازلت أحلم بتلك الأيام الغارقة في العطر ، القادمة من حكايات المساء والأساطير ، تجتاحني فتستعر نار الشوق والحنين في خبايا روحي التواقة لعناق الحبيبة ، ذات الضفائر الحالكة السواد كعتمة الليل عندما تنسدل على كتفيها ،وكأنها فينوس الجمال ، أتعلق بظلها ، أركن اليها ،أبوح لها بأسراري وهواجسي ، فتملأ قلبي بشهد حنانها وحكمتها ، فتهدأ روحي وتستكين ، مثل حكايات الأميرة ذات الضفائرفي ذلك القصرالبعيد .ولكني ما عدت ذلك الفارس ! لقد غزا خصلات شعرك اللون الفضي ، وحفر الزمن تجاعيد فوق قسمات وجهك الذي يطفح بنور ملائكي ، لا أدري ، فكلما نظرت إلى صورك ، أجدني أختنق وأغص بالعبرات ، لقد تغير كل شئ. وجع يمتد من أخمص قدمي إلى رأسي ، يا لقسوة الزمن . لم تعد تلك الرائحة تستهويني ،بت أمقت أيام العيد ، من يعيد لي عبق كرنفالات العيد وأجواء الفرح ؟ من يعيد لي رائحة المطر عندما تجود السماء بحنانها على الأرض المتعطشة للحب ؟ كنت أعشق حبات المطر وهي ترتطم تباعاً بسطح المنزل ، وكأنها سمفونية تشترك فيها الطبيعة . ولكنها أصبحت مجرد ذكريات منذ زمن سحيق. سأترك شمعة مضيئة عند شرفتي مع زهور اللافندر حتى حين . سنلتقي ، خبرني السنونو غداة افترقنا . السويد – 2016 / 05 / 07
Read more ...

الجمعة، 6 مايو 2016

عندما يتحول الوطن إلى خيمة – محمد الفاضل

لا تملك أمام هذا الصبي الذي شاخ قبل أوانه ، سوى أن تعجب به ، يتوقد ذكاءاً وفطنة ، وأنت في حضرته تشعر وكأنك أمام فيلسوف ، عركته الحياة وسبر كل أغوارها ، يحلل الوضع ويضع يده على الجرح . عقل راشد ، حبيس في جسد طفل ، كان سعيد يعيش مع عائلته في مدينة حلب ، وهو أصغر إخوته ، ولكنه أكثرهم وعياً ، أصبح الوضع في المدينة لا يطاق ، القصف يومي ، ويطال كل شئ ، بالأمس القريب ودعوا جيرانهم الطيبين بعد أن سقطت قذيفة فوق رؤوسهم ، فحولت منزل الأحلام ، وملاعب الصبا أثرا بعد عين. جمعت العائلة بعض الأغراض على عجل وقررت الرحيل واللجوء إلى مخيم الكمونة ، الواقع قرب مدينة سرمدا ، في ريف إدلب ، قرب الحدود ، وهو يضم اَلاف النازحين من المناطق السورية ، لحظات وداع الأقارب والجيران كانت مؤثرة ، تخللتها دموع ودعوات بالتوفيق ، المخيم يضم مجموعة خيام بلاستيكية ، يقطنه حوالي عشرون ألف لاجئ ، جلهم من النساء والأطفال ، الذين اضطرهم القصف الهمجي إلى اللجوء إليه ، برغم الهدنة المعلن عنها. تعرف سعيد على صبي في الخيمة المجاورة ، وتوطدت الصداقة بينهم ، مع مرور الأيام ، فأصبح صديقه المفضل ، ومستودع أسراره ، أحمد يكبر سعيد بعامين ، لجأ مع عائلته إلى المخيم ، بعد أن فقد والده. - سعيد ! ولكن أين والدك ، لماذا لم يلحق بكم ؟ سأل أحمد . - لقد سبقنا إلى الجنة ، أجاب سعيد . - هل ترى نهاية لهذه الحرب المجنونة ، ياسعيد ؟ هل يمكن أن نعود في يوم ما ، إلى مدينتنا وننسى كل هذه الأهوال والأحزان ؟ أشعر بالحنين . - الوضع أصبح في غاية التعقيد ، لست متفائلاً . - هل يمكن أن يطالنا القصف ، ياسعيد ؟ - محال ياصديقي ، فكما تعلم هناك هدنة ، علاوة على أن المكان قرب الحدود ، ومعروف للجميع بأنه مخيم للنازحين ، وليس موقع عسكري . اطمئن . شعر أحمد ببعض الارتياح بعد تأكيد سعيد ، ولكن كان يساوره بعض القلق، استيقظ سعيد فزعاً على صوت انفجارات مدوية ، وكأنها يوم القيامة ، في البداية لم يع ماحدث ، تحامل على جراحه وبدأ يبحث بين الركام والدخان عن أفراد أسرته ، عشرات الجثث المتفحمة تملأ المكان ، تم تدمير المخيم بشكل شبه كامل ، واحتراق عشرات الخيام. لقد فقد جميع أفراد اسرته ، بدأ يقفز كالمجنون ، وهو يبحث عن أحمد ، على مقربة من بقايا خيمة محترقة ، كان يرقد صديقه، والدماء تغطي وجهه البرئ ، لقد فارق الحياة. - اَه يا صديقي ! سامحني ! لقد وعدتك بأن لا يصيبك مكروه ، ولكنهم سفاحون ، قتلة ، لايعترفون بالهدنة ! السويد – 6 / 5 / 2016
Read more ...

الاثنين، 2 مايو 2016

اَه يا عرب ! – محمد الفاضل

اَه يا عرب ! – محمد الفاضل حلب ، دمعة ثكلى تحرق القلب ، وزفرة طفلة تحتضن دميتها ، تبكي بحرقة ، تشكو تخاذل العرب اَه يا وجع القلب يا حلب ، يا ملح البلد ، حلب صرخة والد فقد فلذات كبده ، رفع أكف الضراعة إلى السماء يشكو ظلم ذوي القربى ، ودمع العين قد سكب وطفولة توأد تحت التراب دون سبب . تبت يدا أبي لهب جامعة العهر ، أين ميثاق الشرف ؟ هل تحتاج النخوة إلى طلب ؟ تغضون الطرف عن نيرون ، تلتمسون له ألف سبب أبناء عمومتي أين وشائج القربى و النسب ؟ ويحكم من شر قد اقترب حاقد يقبع خلف الحدود للثأر قد طلب ومدعي مقاومة للدم قد سكب من يضمد جراحك ويهدهد أوجاعك يا حلب ؟ ما دام منا الرشيد ، ومنا الوليد ، لن تطفئوا نور الشمس محال ، وعد الحق قد اقترب
Read more ...

السبت، 30 أبريل 2016

اَه يا حلب !! – محمد الفاضل

اَه يا شهباء ! تحتر ق كل الصور والأحلام ، وتموت الطفولة وتباد مدينة الحرير ، وتجار الموت يتأنقون ببدلات السموكن يجتمعون ويثرثرون ، يعربون عن قلقهم وفي المساء ينامون ملء جفونهم ، جنرالات الحرب يشربون أنخاب النصر فوق الأشلاء الاَدمية ويعلقون أوسمة الخزي والعار . من للطفولة يا حلب ؟ من يرقأ دمعك ياحلب ؟ هل ماتت النخوة يا عرب ؟ غربان الشر تسقط حمم الحقد فوق ثراك الطاهر ، لمعتوه للحكم قد سلب والحرق قد طلب ، قالوا هو أو نحرق البلد !!! تبت أياديكم ، هذه حلب ... هذه حلب
Read more ...

الأحد، 24 أبريل 2016

يوم رحلت – محمد الفاضل

- استيقظ ... استيقظ ، يا أخي ، لا تخف ، ولكن لا أدري ما الذي اعترى أبي .... كنت مستغرقاً في عالم الأموات وأنا أسمع صوت أختي المرتجف ، المشوب بالخوف ، وكأنه صادر من بئر عميق ، يخترق سمعي ، قفزت من فراشي كالملدوغ وكأنني في حلم ، كانت أختي تقف والقلق ينهش فكرها ، ترتجف مثل ورقة شجر في مهب الريح. برغم محاولتها الفاشلة إخفاء جزعها ، محاولة طمأنتي ، ولكن عيونها فضحتها. طرت مسرعاً إلى غرفة نوم أبي ، كانت والدتي تقف متسمرة بجانب سريره وقد عقدت الدهشة لسانها ، والدموع تنهمر فوق وجنتيها ، والهلع يكسو ملامحها، من عادة والدي النوم بعد الظهيرة ، ثم يصحو على صوت المنبه ، ولكنه يومها لم يقوى على إسكاته ، وظل يرن إلى أن تنبهت والدتي . كانت عيون والدي تنظر إلى أعلى سقف الغرفة والزبد يخرج من فمه . في تلك الأثناء استيقظ أخي على صوت الجلبة ، وهرع مسرعاً وبدأ يتفحص والدي بحكم عمله كطبيب، كانت أقدامي بالكاد تحملني ، حاولت جاهداً أن أرفع والدي من جهة قدميه ، وأخي من جهة أكتافه ، ولكنه بدا ثقيلاً على غير عادته في ذلك اليوم. عاد بي شريط الذاكرة إلى الوراء قليلاً ، يوم كنا أطفالاً نلهو ونعب من الحياة ولانعبأ بشئ ، كان يحملنا بذراعيه القوية المفتولة ، ويغمرنا بحنانه المتدفق مثل جدول رقراق ينساب داخل أرواحنا الصغيرة فيرويها ، سقى الله تلك الأيام ، ما أجملها ، ليتنا لم نكبر ، فتكبر همومنا ، لم نكن ندرك سر الكون ، وأن الأيام لا ترسو على حال. كانت والدتي تردد دائماً مقولتها الشهيرة " الله يجيرنا من ساعة الغفلة " وكنت أتوجس خيفة من المجهول ، وما يخبئه القدر انطلقنا بالسيارة إلى المستشفى ، لا نلوي على شئ ، أدخل والدي على عجل إلى غرفة العناية المركزة ، مرت عقارب الساعة بتثاقل وكأنها سنوات ضوئية . - ما الذي أصاب والدي ؟ أجبني بصراحة - جلطة دماغية ، أجاب أخي ، وبدأ يشرح لي الحالة من واقع خبرته ـ يومها قررت المبيت في المستشفى ، ورجع أخي إلى البيت ليطمئن والدتي وبقية أخوتي عاى أمل العودة في الصباح الباكر، بدأت الأفكار السوداوية تحاصرني ومجرد فكرة فقد والدي تزلزل كياني . جافاني النوم ولم يعرف طريقه إلى جفوني ليلتها من شدة القلق. تسللت خيوط الشمس الأولى عبر نافذة الغرفة ، وبدأت تنشر أشعتها الذهبية فوق المدينة ، بعد مرور بعض الوقت ، دخل الممرض وهويدفع والدي ، كان يجلس فوق كرسي متحرك ، ارتميت عند أرجله وأنا أحاول أن أحبس دموعي ، كانت نظراته تخترق روحي وتنوب عن لسانه . كان ينظر إلي بحنان ، ولكنه فقد النطق ، حتى أن الشلل زحف إلى وجهه ، راسماً فوق ملامحه صورة تقطع نياط القلب . الفترة التي أمضيتها مع والدي في المستشفى ، شكلت علامة فارقة في مجرى حياتي ، خلفت جروحاً غائرة في حنايا القلب ، أن ترى الجبل الشامخ الذي كنت تستند عليه ، والفارس الذي يرتدي درعه اللامع ،يحارب الوحوش ويذب عنك عوائل الدهر، القادم من حكايات الزمن الجميل ، في حالة ضعف وانكسار إنساني ، يفوق الاحتمال ويجعلك تعيد حساباتك ، يدعوك للزهد في كل شئ . بعد أن كان صوته يجلجل ويملأ المكان ، وضحكته الساحرة تضفي البهجة على الجميع ، لم يألوا جهدا في تربيتنا وسخر كل طاقاته في سبيل إسعاد عائلته ، كان يجد سعادة بالغة في العطاء ولم يشتك قط برغم تحمله أعباء الحياة وصروفها ، كان يمتلك قلبا من ذهب ، ينبض بالحنان والطيبة اللا متناهية ، كالبدر في ليلة ظلماء . فجأة لزم الصمت ، لقد ترجل الفارس وكبا ، سكون قاتل يلف المكان ، لا يكسره سوى زفراته الحارة التي تحرق القلب ومحاولته النطق بكلمات مبهمة وكأنه طفل يتعلم النطق للتو ، كنت أحاول تجنب النظر في عينيه الحزينة مخافة أن يرى سمة الحزن على وجهي ، برغم شوقي العارم أن أضمه إلى صدري وأطلق العنان لمشاعري الحبيسة أن تنفلت من عقالها . كم هو صعب على الإنسان أن يضع قناع على وجهه محاولاً إخفاء مشاعره والتظاهر بأن الأمور على مايرام. كانت تنتابني رغبة عارمة بالسجود عند قدميه وتقبيلهما ولكنني أحجمت عن ذلك مخافة أن ينهار أمامي ، بدأت رحلة المعاناة اليومية تطل برأسها ، الوضع يتطلب عناية خاصة ، عندما يهم بالوضوء كنت أدخل معه الحمام كي أساعده خوفاً من أن يسقط . لم أتذمر قط ، وفي المساء أجلس ملتصقاً بسريره وأقرأ له ماتيسر من القرأن بصوت مرتفع حتى يبزغ الفجر ، وكنت أستشعر دموعه الحبيسة تأبى أن تنساب ، بل تسيل وتصب مباشرة عند شواطئ الروح دون أن أراها. عندما كنت أقبض على يده اليمنى لعمل تمارين علاج طبيعي وبشكل يومي حسب أوامر الطبيب ، كانت يدي ترتجف وأحس بشلال حنان يتدفق من يده الطاهر ة لتمدني بالعزيمة . لطالما حملنا بيده تلك ومسح على جبيننا وقرأ الأدعية عندما كنا صغاراً ، أبي الحبيب ، يا قرة عيني ومهجة روحي ، مهما فعلت فلن أوفيك حقك ، لقد أفنيت عمرك وأنت تكافح في هذه الحياة ، كنت تكد في القر والحر غير عابئ بحرارة الشمس الحارقة ، بهمة تزلزل الجبال ، ليس كمثلك شئ يا أبي . كالشمس تضئ حياة الاَخرين وتمدهم بالدفء . ( يتبع ) السويد – 10 / 05 / 2016
Read more ...

السبت، 16 أبريل 2016

يوم زارنا الرئيس – محمد الفاضل

- أتمنى أن أقابل الرئيس ، كان يحدث نفسه بهذه الأمنية ، اسم الرئيس له وقع غريب في نفوس أهالي القرية ، فالجميع يسبح بحمده وينام على سيرته وبطولاته الأسطورية . صور وتماثيل سيادته في كل زاوية في القرية ، كيف لا وهو القائد المفدى صاحب الانتصارات الدونكيشوتية ! قرية وادعة تغفو في أحضان الطبيعة الخضراء ، أشجار سامقة ، مورقة تتمايل مع نسمات الهواء العليل ، وترقص فرحاً ، أشعة الشمس الذهبية تغازل شفاه الأزهار ، فتتفتح باسمة . جدول رقراق ، يتهادى بدلال ويغسل جذوع الأشجار الباسقة التي تعانق السماء ، وتهمس لها بسر جمالها وعشقها لخيوط أشعة الشمس ، التي تدغدغ وريقاتها. انسل إلى الغرفة وحاول أن يأوي إلى الفراش ، ولكن بدأت تتقاذفه الأفكار ، حب الوطن يتغلغل في شرايينه . - ماذا سوف أقول لسيادته ؟ وكيف يبدو ، ياترى ؟ - هل سيستمع إلى احتياجات الأهالي ؟ غداً اليوم الموعود ...في ذلك الصباح ، كانت الأعين تترقب ، ونبضات القلوب تتسارع ، سعادة الجميع بحجم الوطن .... ترقب مشوب بالقلق . - ربما سأكون أوفرهم حظاً ، وأصافح يده كان كمن ينتظر حلم حياته . حتى أطفال القرية خرجوا يتقافزون فرحاً بقدوم سيادته ، وهم يرتدون حلة العيد ، نحرت القرابين من الأغنام السمان ، وتعالت زغاريد النسوة . كان البعض ينوء بحمل صور القائد ، والبعض الاَخر يحمل لافتات الترحيب ، التي خطت بعناية . بدأت الأعناق تشرئب ، والجموع تصدح بهتافات قد حفظوها عن ظهر قلب ، - بالروح بالدم نفديك يا زعيم .. – بالروح بالدم نفديك يا زعيم موكب مهيب ، سيارات مصفحة فارهة ، تسابق الريح ، رجال مدججون بالسلاح حتى الأسنان ، أخيراً ، تنازل سيادته وفتح زجاج نافذة السيارة ، وبدأ يلوح للجموع المحتشدة ، وكأنه قيصر روما في يوم تتويجه ! انفرجت أسارير مهند عن ابتسامة عريضة وهو يشاهد حلمه على وشك أن يتحقق ، بدأ يسابق الريح ، في محاولة مضنية للوصول إلى الرئيس . - هل سيتحقق حلمه ، ويصافح يد القائد ، سوف يصبح حديث القرية ! فجأة سمع صوت رصاص ، شق عنان السماء . الخبر الأول في صفحات الجرائد الحكومية في اليوم التالي كان ، " إحباط محاولة اغتيال لسيادته ، العناية الإلهية تتدخل ، الكشف عن خلية لها ارتباطات خارجية ، حفظ الله الرئيس ، يسقط العملاء ! " السويد – 16 / 4 / 2016
Read more ...

السبت، 9 أبريل 2016

المنزل المهجور – محمد الفاضل

كثرت الشائعات التي كانت تدور حول ذلك المنزل المهجور وتعددت الحكايات التي نسجت عن وحشة ورهبة ذلك المكان والأشباح التي تسرح فيه ، في تلك القرية البعيدة ينتصب منزل فوق سفح جبلي شاهق ، يشرف على وادي سحيق ، وعندما يخلع المساء رداءه الأسود وينشره فوق بيوت تلك القرية الخارجة من حكايات الجن .يسود المكان سكون مطبق ويداعب الكرى جفون أهالي القرية ، كل شئ يتحول إلى مايشبه المقبرة ، حتى أن الأهالي كانوا يمنعون أولادهم من اللعب عندما يحل المساء ، فيسارعون إلى منازلهم خشية من الأرواح التي تسكن ذلك المنزل المهجور. - لماذ تأخرت في العودة ؟ ألا تعلم أن قلبي يذوب فرطاً عليك ؟ وبدأ صوتها يتهدج ويرتفع شيئاً فشيئاً ، حتى دخلت في نوبة بكاء . - أنت لاتعرف كم أعاني ؟ منذ أن تركنا والدك وأنا أفعل ما بوسعي بغية إسعادك ، ولكنك لا تبالي . منذ أن أخبرها الطبيب بأنه ضعيف البنية ، وهي تبالغ في الحرص عليه . - لماذا تصرخ بوجهي دائماً ؟ لماذا تغيرت ملامحها حتى بدت كعجوز ، ولم تعد تهتم بزينتها ؟ بينما كانت تعنفه ، كان يلجأ إلى السكوت ويشغل تفكيره ذلك المنزل المهجور .في ذلك المساء الحالك السواد ، كان القمر يتوارى خلف الغيوم . تجمع أولاد القرية وبدأوا يتهامسون فيما بينهم ، اقترب منهم في محاولة لفهم مايدور . - ولكنك ضعيف البنية ولن تجرؤ . أثار الحديث حفيظته وأيقظ في نفسه روح التحدي والمغامرة. - أنا لا أخاف ، وسوف أقبل التحدي. - سوف تأخذ هذا الكيس وتضعه داخل المنزل المهجور بعد منتصف الليل . بدا ظل المنزل مخيفاً وهو يرقد فوق ذلك السفح الجبلي المقفر ، كان يرتجف مثل سعفة نخيل في يوم ريح عاصف. عندما وصل إلى المنزل كان قلبه يدق بإيقاع متسارع حتى خيل إليه أنه سوف ينفجر من الخوف. فجأة سمع صوتاً عميقاً وكأنه خارج من كهف ، ارتعدت فرائصه وكاد أن ينخلع قلبه . في تلك الأثناء كانت الأم تجثو عند فراشه . - انهض ياولدي ، لدينا اليوم أعباء كثيرة وعمل شاق ، لقد استغرقت كثيراً في النوم على غير عادتك.
Read more ...

الأحد، 3 أبريل 2016

الدرويش – محمد الفاضل

اعتاد أن يقضي سحابة نهاره جالساً عند مدخل حارة الزيتون في منطقة تقاطع باب توما ، حيث تشتهر بشوارعها القديمة و زواريبها العتيقة التي تروي اَلاف الحكايات ، البيوت متلاصقة ، تحنو على بعضها و تتكئ الجدران على بعضها البعض في مشهد يوحي بالحميمية والمحبة ، وفي النهار تتسلل أشعة الشمس الذهبية عبر شبابيكها الملونة فتنعكس لوحة تأسر القلوب . معظم بيوت الحارة تتوسطها بحرة ، يحيط بها زهر الياسمين والفل ، وشجر الليمون والنارنج . رائحة العطر في كل مكان ، حتى البيوت ، تتشرب العطر طوال النهار فتبقى الرائحة تفوح طوال المساء ، الأسواق تعج بالمارة وبائعي الخضار ، لم يأبه بوجوده أحد من المارة . متوسط القامة ، في نهاية عقده السادس ، عينان غائرتان ، تتطلعان إلى الأفق البعيد . ذو لحية بيضاء ، كثة وشعر ملبد بالأوساخ ، رث الثياب . يتفحص المارة وتتقاذفه نظرات الشفقة والعطف . كان الأهالي يتصدقون عليه ببضعة قروش ، وفي اَخر النهار يلملم جراحه ويمسح دموعه التي ترقرقت في عينيه وينصرف. في ذلك اليوم القائظ قررت أن أمشي خلف ذلك العجوز الذي كنا نسميه الدرويش ، لكي أعرف وجهته ، بعد أن بلغ مني الفضول مبلغه . أدخلت صناديق الخضار في عجالة وأقفلت الدكان. كان الدرويش ينقل قدميه ببطء على الطريق ، اجتاز زقاق الحي , في اَخره يقبع منزل جميل . طرق الباب بإلحاح ، وبعد برهة قصيرة ، فتح الباب شاب في عقده الثالث . استوقفني المشهد . فجأة أمسك الدرويش بتلابيب الشاب وبدأ يعنفه. قررت أن أقترب أكثر لأسمع مايدور . - ولكن هذا بيتي ، هل نسيت ؟ حتى إن الجدران والحجارة تشهد ، لقد أفنيت عمري في بنائه . استشاط الشاب غضبا ودفع الدرويش بقسوة فسقط على الأرض. تحامل على نفسه ونهض بصعوبة بالغة ، وأجهش في البكاء حتى تخضبت لحيته . رفع يديه إلى السماء ، وبدأ يدعو بصوت خاشع منكسر. بعد مرور بضعة أيام ، تناهى إلى سمع الدرويش أن الشاب مريض ، وهو يرقد بين الحياة والموت . بدأ يحث الخطى نحو منزل الشاب وقلبه يخفق بشدة ، كان الشاب يرقد على السرير وقد شحب لونه ، بعد أن نهش جسمه المرض . دلف الدرويش إلى المنزل وجثا على ركبتيه وبدأ يردد - و لكنه ولدي ! يارب تلطف به ولا تستجب لدعائي . السويد – 3 / 4 / 2016
Read more ...

الاثنين، 28 مارس 2016

ترنيمة عاشق – محمد الفاضل

مليكتي ... سلوى الروح ونبض الفؤاد ، مازلت أتفرس بين الوجوه وأفتش عنك بين ظلال الزيزفون والخمائل ، وأسأل زهر نيسان ومساءات كانون . أوشوش السوسن والشحارير وأهمس لهم باسمك ، أحاول أن ألون وأرسم بريشتي مواسم فرح وقوس قزح ، أتدرين ؟ حتى قهوتي لم تعد تستهويني ! كم كنت أعشق قهوة الصباح معك وينتابني جذل طفولي والعصافير تغرد حولنا ... والكون يلفه خشوع العابدين وصمت العاشقين. ياأجمل أشعاري وأبهى صباحاتي ، ترنيمة اسمك تبرئ كل أسقامي ، وثغرك الباسم يزيل كل عذاباتي ، واليوم تعلن ريشتي العصيان بعد أن كانت طوع بناني ، وهاهي ترتجف بين أصابعي ومافتئت تسألني ، ألم تنس ؟ ألن تنسى ؟ أتدرين ياصنو الروح ، هي لاتعرف أن الأشجار لو اقتلعت من حضن دافئ وغرست في أرض غريبة ، تذبل أوراقها وتصفر بعد أن كانت خضراء يانعة ، قبلة للناظرين ، تذوي سريعا وتشيخ قبل أوانها ! تمر الأيام ثقيلة ، تخنق الروح ولا أشعر بتغير الفصول ... يمر الخريف ويأتي الربيع ، وكأن كل الأشياء فقدت بريقها . بت أمقت قيثارتي فهي لاتعزف سوى الشجن ، ولم يبق فيها سوى وتر ، بت أخشى فتح صندوق ذكرياتي وتصفح ألبوم صوري المبعثرة في زوايا الغرفة . يانسيم الصبا مر بديارهم وأرسل سلامي وقل لهم بات عاشقكم ذبيح الهوى ، رفقا بقلب أنهكه النوى . شكوت وجعي إلى حكيم حار في أمري وأردف قائلاً .. ياولدي داؤك ليس له دواء. السويد – 28 / 03 / 2016
Read more ...

السبت، 26 مارس 2016

حبات الأرز – بقلم محمد الفاضل

لم تكن قد تعدت الستين من عمرها ، رسم الزمن لوحة رمادية وحفر أخاديداً في وجهها المتغضن الذي يحكي اَلاف القصص . غارت عيناها واحدودب ظهرها ، كانت تجر رجليها بضعف جلي لاتخطئه العين وتزداد شحوباً وهزالاً مع مرور الأيام التي كانت تزحف ببطء شديد . انسابت دمعة سخية على خديها فمسحتها حتى لا ترى نظرة الشفقة في عيون ذلك المسخ الغريب وهو يختال مزهواً ببزته العسكرية.لم يدر بخلدها أن الإنسان ممكن أن ينحدر باَدميته إلى هذا المستوى من الانحطاط والحيوانية. عادت بها الذاكرة إلى الوراء ، كانت تبكي في صغرها وترتعش إذا رأت عصفوراً يذبح أمامها. - سيدي إنها تحمل كيساً ، لعله مليء بالمتفجرات !! - اقتربي ! توقفي ! هل أنت خرساء ؟ كانت تحملق في وجهه فاغرة فاهها كالمشدوهة ، بدت مذهولة ، - حتى النساء ؟ أكاد لا أصدق ! - ماذا يوجد بداخل هذا الكيس ؟ إياك والكذب فأنا أعرف جيداً أمثالك ، كلكم ارهابيون - كانت تتطلع إليه في بلاهة شديدة ! وتردد في استعطاف ، انه مجرد كيس أرز سادت فترة من الصمت ، وأحست ببرودة في أوصالها . أطرقت رأسها إلى الأرض وأسقط في يدها - أيها العسكري خذ منها الكيس ، وبدأ ينتزعه وكأنه ينتزع قلبها ، فالمدينة في حالة حصار ظالم وقد عز الطعام خارت قواها وأحست بغصة في حلقها، كيف يمكن أن تعود خالية الوفاض ؟ ماذا ستطعم أولادها ؟ بدأت كل تلك الأسئلة تدور برأسها، أخذت تتطلع حولها عل أحداً يهب لمساعدتها . بدأ الوحش الضاري بإفراغ الكيس فوق أرضية الشارع في محاولة لكسر روحها , تكومت على أرضية الشارع وبدأت تجمع حبات الأرز والألم يعتصر قلبها . على مقربة منها كان ذلك المسخ يتكيء على عجلته العسكرية حاملاً سلاحه الاَلي . أما المسخ الاَخر فقد اكتفى بالتقاط صورة لها وهو يقهقه منتصراً وقد ظن أنه نال من روح التحدي والعزيمة .كانت تود أن تصرخ ملء شدقيها ، أنا لست ارهابية ، أنا انسانة تحب الحياة والعصافير والفراشات الملونة. أنا أمقت الطائفية وأحب كل الألوان، كانت تبدو على وجهه علامات السقوط و الهزيمة. السويد – 25/03/2016
Read more ...

الخميس، 24 مارس 2016

الغرفة الموصدة - بقلم محمد الفاضل

في تلك القرية النائية ، وسط مجموعة من الشجيرات والأحراش والصخور ، تتناثر بضعة بيوت تقبع بجانب سفح جبلي مرتفع يبعث على الهيبة وعندما يتوارى قرص الشمس خلف الجبل يصبح المكان موحشاً ، يبعث على القشعريرة. بعيداً عن صخب المدينة وأضوائها يعيش أهالي القرية الذين لايتجاوز تعدادهم المئات ، هاجر معظمهم إلى المدينة طلباً للرزق ، بعيد أن أعياهم الصبر وقرروا أن يرحلوا بدون عودة بسبب القحط الذي حل ضيفاً ثقيلاً على قريتهم المنحوسة .في أول القرية محطة باص يتيمة ولا يمر فيها سوى باص متهالك مرة في الأسبوع وقلما تشاهد سيارة. منزل جدتي الذي بلغ من العمر عتياً وتقوست جدرانه وانحنت كهيئة رجل عجوز وانتشرت في بعض أرجاء المنزل عناكب كانت شباكها تتدلى متحفزة لاصطياد فريسة شاء حظها العاثر أن تقع ضحية شباكها. المنزل مكون من طابقين وفي كل طابق غرفتان ، عشت وترعرعت مع جدتي التي كانت شديدة الصرامة ولا نجرؤ أنا وأخي الأصغر على مخالفة أوامرها عندما تصدرها لنا بنبرة حازمة ، معلنة اقتراب ساعة النوم وضرورة أن يأوي الجميع إلى الفراش ، عندها نبدأ بالتقافز مخافة أن ينالنا العقاب وتبدأ بالسباب والشتائم ، ولكن خلف ذلك الوجه الصارم يختبئ شئ غريب ، لا أدري نوع من الطيبة ربما. ولكن لماذا لا تظهرها لنا ؟ طالما سألت نفسي ذلك السؤال ، في الطابق العلوي وفي نهاية الرواق تقبع غرفة بابها موصد دائماً ، وفي أعلى الباب شباك مرتفع وطالما أثارت فضولنا . عندما كنا نقترب من باب الغرفة كانت جدتي تنتفخ أوداجها وترغي وتزبد وتتحول إلى كائن مخيف . في ذلك المساء الرهيب كنت أنا وأخي نحاول أن نخلد إلى النوم ، فجأة سمعنا صوت أنين وعويل صادر من الطابق العلوي وخيل لنا أن هناك من يجر سلاسل ، جمد الدم في عروقي وبدأت أرتعد برغم محاولتي إظهار الشجاعة أمام أخي . انسللنا من الفراش ومشينا على أطراف أصابعنا ، لا أدري كيف حضرتنا الشجاعة وعندما وصلنا إلى الرواق بدأت الأصوات تظهر جلياً . اقتربنا من باب الغرفة الموصدة واذ بضوء خافت يظهر من أسفل الباب والنافذة ، تسلل أخي وأحضر كرسياً كي أصعد فوقه . ومن خلال شباك النافذة استطعت أن أرى شبح رجل عجوز مكبلة أرجله بالسلاسل وجدتي تحاول إطعامه. السويد / 23 – 3 - 2016
Read more ...

الاثنين، 21 مارس 2016

الحمد لله كتابي بعنوان عصافير الغوطة تموت نائمة قيد الطبع عن دار العنقاء للنشر أكاديمية الفينيق ويتضمن مجموعة قصص وخواطر.كل الشكر لزوجتي الغالية على دعمها وتشجيعها المتواصل
Read more ...

الجمعة، 11 مارس 2016

المهرج الصغير – محمد الفاضل

أسند رأسه الصغير المتعب فوق الرصيف البارد وهو يحتضن رفيقه الأثير على قلبه , ينام بقربه ولا يفترقان أبداً, لقد أصبح أنيسه في وحدته القاتلة , حاول أن يخلد إلى النوم ولكنه لم يفلح البتة , بدأ موتور معدته يعزف صوتا نشازا ويصدر قرقعة مثل صرير باب قديم أكل عليه الدهر وشرب , معلناً تمرده ورفضه الانصياع إلى أوامره . ولطالما حاول أن يلقمه بضع كسرات خبز قديمة كان يحتفظ بها في كيس قماش متسخ تكسوه بقع زيت وتتوزع الرقع فيه على كامل مساحته , عله يهدأ ويتوقف عن الشكوى والتذمر المستمر . حاول أن ينال قسطاً من الراحة بعد ماكابده أناء النهار من مشقة أثقلت كاهله في البحث عن بقايا خبز يسد بها رمقه , يذرع الحي جيئة وذهاباً ويحدوه الأمل أن يؤمن قوت يومه ليبعد عنه شبح الجوع.كان يحرص على انتعال رفيقه المفضل الذي يفوق حجمه جسده النحيل وهو يسير مترنحاً مثل مهرج سيرك مع فارق أن وجهه لاتعلوه المساحيق ويخلو من أية تعابير ضاحكة. عاد بذاكرته إلى الوراء قليلاً , يوم قرر أحد القناصة أن يمارس هوايته المفضلة ويتسلى باختيار ضحيته ويقرر بدون رحمة أن يرسله إلى العالم الاَخر دون أن يعبأ بما سوف تؤول إليه أمور عائلته عندما يفجعون بخبر موته. في ذلك اليوم المشؤوم كان والده يصرخ ملء حنجرته " حرية " " حرية " مع مجموعة من المتظاهرين ولم يكن يعلم أنها سوف تكون كلماته الأخيرة. يومها قرر أن يحتفظ بحذاء والده وأصبح ميراثه الوحيد , مرت الأيام ثقيلة وبإيقاع رتيب وبدت على محياه علامات التعب والهزال وهو يتحامل على نفسه ولم يعد يقوى على الحركة كما كان يفعل قبل فقدان والده . الذئاب البشرية تحاصر المدينة حصاراً مطبقاً وتمنع عن الأهالي الطعام والدواء في محاولة مستميتة لقهرهم , في ذلك المساء الرمادي زاره طيف والده في المنام وبدأ يسأله عن أحواله وتلمس وجهه الشاحب وكم هاله ماأصاب ولده من هزال حتى بدا كالأشباح. " لماذا تركتني وحيداً ياأبي " لماذا " " خذني معك فقد خارت قواي ولم أعد أطيق العيش وحيداً " " لن أتركك مرة أخرى ياولدي الحبيب " " ثق بي , أعدك " أشرقت الشمس في صباح ذلك اليوم وبدأت خيوط الشمس تتسلل على إستحياء , وبدأ الأهالي يتجمعون أمام ذلك الملاك الطاهر وهو ينتعل حذاء والده وعلى مقربة منه بقايا شظايا خبز قليلة وتعلو وجهه ابتسامة لم يفهموا كنهها . السويد – 10 / 3 / 2016
Read more ...

الأحد، 6 مارس 2016

ليلة بكى القمر – محمد الفاضل

وجه ملائكي يضج بالحياة والفرح ذو الثلاثة عشر ربيعا , نقي كالسماء في ليلة صافية مرصعة بالنجوم المتلألئة , له وجه قمر باسم وروح شفيفة , وصوت كهديل الحمام , وعيون براقة أسرة تخترق سهامها قلب أمه المسربل بالحزن , تتوق لوجوده بقربها , رحيله قد يذبحها . شعره البراق ينسدل على كتفيه , كان قطعة موسيقى باذخة من روح أمه الموغلة في الحزن , يشبه وردة حمراء في حديقتها الخريفية. أرجوحة روح أمه وسلوتها , يخبئ القمر وجهه باستحياء عندما يبتسم وتفوح منه رائحة الياسمين , وتغرد الطيور في حنايا روح أمه عندما يدلف إلى البيت فيشيع الفرح في كل زوايا البيت الحزينة. رسمته حمامة بيضاء وقمر مضئ في زوايا روحها وحبسته خلف باب قلبها وأوصدت الباب بإحكام وأغلقت أضلاعها مخافة أن تفقده . فكرة فقده جعلها ترتعد وتغرق في صمت دفين يبعثرها ويشظيها , يمزق شرايين قلبها. " هل مازالت الكهرباء مقطوعة ؟" " نعم ياولدي , حاول أن تنام قليلا " " سوف أوقظك عندما يطلع النهار " " ألم يطلع النهار ياأمي ؟ لقد مللت . أريد أن أخرج وألعب مع أصحابي" " كلا يا حبة القلب , لم يطلع " تهاوت الأم تحت وطأة الحزن وحاولت أن ترسم شبح ابتسامة هزيلة , تنفلت الدموع من عينيها المتورمة , انسابت دمعة سخية فحاولت أن تغلق جفونها مخافة أن يحس بها , تشعر بإعياء شديد , تنتحب في غرفتها ويحفر الحزن أخاديد عميقة فوق شواطئ روحها المتعبة . لم يعد يزهر الياسمين في قلبها المترع بالأحزان , سمعها تهمهم ... "لقد فقد بصره " لقد فقد بصره" . بكى بحرقة ولم يستوعب ماحذث , البارحة سقط برميل حقد أسود من السماء , ينهش الوجع أوصال روحها فلاتقوى على الكلام. لقد فهم سر دموعها ... السويد – 6/3/2016
Read more ...